فأقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثماني ليال من ذي الحجة ، وأقبل اهل مكة ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون اليه وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلي عندها عامة النهار ويطوف ويأتي الحسين عليهالسلام فيمن يأتيه اليومين المتواليين وبين كل يومين مرة ولا يزال يشير عليه بالرأي وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير لأنه قد علم ان أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين عليهالسلام باقيا في البلد ، وان الحسين عليهالسلام أطوع في الناس منه وأجل. ولما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وامتناع الحسين عليهالسلام من البيعة أرجفوا بيزيد واجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فلما تكاملوا قام سليمان فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته : يا معشر الشيعة انكم قد علمتم بأن معاوية هلك وصار الى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد ، وهذا الحسين بن علي عليهماالسلام قد خالفه وصار الى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج الى نصرتكم اليوم ، فان كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا اليه ، وان خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه ، قالوا : بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، فارسلوا وفدا من قبلهم وعليهم أبو عبد الله الجدلي وكتبوا اليه معهم :
بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي عليهماالسلام من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة (١) ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وعبد الله بن وال وشيعته من المؤمنين والمسلمين سلام عليك ، اما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك وعدو أبيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم ، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيأها وتآمر عليها بغير رضا منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها فبعدا
__________________
(١) بالنون والجيم والباء الموحدة المفتوحات (كامل ابن الأثير).