ولما تفرق الناس عن مسلم طال الأمر على ابن زياد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع اولا ، فقال لأصحابه : اشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا فأشرفوا فلم يجدوا أحدا ، قال : فانظروهم لعلهم تحت الظلال (١) قد كمنوا لكم ، فنزعوا الأخشاب من سقف المسجد وجعلوا يخفضون بشعل النار في ايديهم وينظرون وكانت أحيانا تضيء لهم وتارة لا تضيء كما يريدون ، فدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلى حتى تنتهي الى الأرض ، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها فلا يرون أحدا حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر ، فلما لم يروا شيئا اعلموا ابن زياد بتفرق القوم ، ففتح باب السدة (٢) التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج اصحابه معه وأمرهم فجلسوا قبيل العتمة (٣) ، وأمر عمر بن نافع فنادى الا برئت الذمة من رجل من الشرط (٤) أو العرفاء (٥) والمناكب (٦) أو المقاتلة صلّى العتمة الا في المسجد ، فلم يكن الا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة وأقام الحرس خلفه ، وأمرهم بحراسته من أن يدخل اليه من يغتاله وصلى بالناس ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
__________________
(١) الظلال بالكسر جمع ظلة والظلة بالضم كهيئة الصفة ، والصفة بناء في الدار معروف (منه).
(٢) السدة بالضم سقيفة أمام باب الدار وما يبقى من الطاق المسدود ، وسدة المسجد الأعظم ما حوله من الرواق. قالوا : والسدة باب الدار والبيت ، يقال رأيته قاعدا بسدة بابه وبسدة داره مع ان قولهم سدة بابه يدل على أن السدة غير الباب (منه).
(٣) العتمة وقت صلاة العشاء الآخرة (منه).
(٤) الشرط كصرد طائفة من أعوان الولاة معروفة ، واحده شرطة بالضم فالسكون وهو شرطي كتركي وشرطي كجهني ، سموا بذلك لأنهم اعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها (منه).
(٥) جمع عريف كامرء وأمير وهو الرئيس كما تقدم (منه).
(٦) المناكب رؤوس العرفاء كما مر (منه).