أما بعد فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ومن جاء به فله ديته ، اتقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا ، يا حصين بن نمير ، وهو صاحب شرطته ، ثكلتك أمك ان ضاع باب من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به ، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصد على أهل الكوفة ودورهم ، وأصبح غدا واستبرأ الدور وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ، ثم دخل القصر وقد عقد لعمرو بن حريث راية وأمره على الناس ، فلما أصبح جلس مجلسه واذن للناس فدخلوا عليه ، وأقبل محمد بن الأشعث فقال مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ، ثم أقعده الى جنبه.
وأصبح ابن تلك العجوز فغدا الى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل من أمه ، فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فساره ، فعرف ابن زياد سراره ، فقال له ابن زياد في جنبه بالقضيب : قم فاتني به الساعة ، فقام وبعث معه قومه لأنه علم ان كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم ، فبعث معه عبيد الله (١) بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم ، فلما سمع مسلم وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم انه قد اتي فخرج اليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، ثم عادوا اليه فشد عليهم كذلك فأخرجهم مرارا وقتل منهم جماعة ، واختلف هو وبكر بن حمران الأحمري ضربتين فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى وفصلت لها ثنيتاه ، وضربه مسلم في رأسه
__________________
(١) في جميع المواضع التي ذكر فيها في هذا المقام عبيد الله بن العباس السلمي ، ذكر بدله في كامل ابن الأثير عمرو بن عبيد الله بن العباس السلمي (منه).