(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) (٤٠)
____________________________________
العظيمة التى لا تكاد تطاق واستجها له عليهالسلام فى ذلك (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا) مستجهلين لنا فيما نحن فيه* (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) أى نستجهلكم فيما أنتم عليه وإطلاق السخرية عليه للمشاكلة وجمع الضمير فى منا إما لأن* سخريتهم منه صلىاللهعليهوسلم سخرية من المؤمنين أيضا أو لأنهم كانوا يسخرون منهم أيضا إلا أنه اكتفى بذكر سخريتهم منه صلىاللهعليهوسلم ولذلك تعرض الجميع للمجازاة فى قوله تعالى (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) الخ فتكافأ الكلام من الجانبين وتعليق استجهاله صلىاللهعليهوسلم إياهم بما فعلوا من السخرية باعتبار إظهاره ومشافهته صلىاللهعليهوسلم إياهم جاهلين فيما يأتون ويذرون أمر مطرد لا تعلق له بسخريتهم منهم لكنه صلىاللهعليهوسلم لم يكن يتصدى لإظهاره جريا على نهج الأخلاق الحميدة وإنما أظهره جزاء بما صنعوا بعد اللتيا والتى فإن سخريتهم كانت مستمرة ومتجددة حسب تجدد مرورهم عليه ولم يكن يجيبهم فى كل مرة وإلا لقيل ويقول إن تسخروا منا الخ بل إنما أجابهم بعد بلوغ أذاهم الغاية كما يؤذن به الاستئناف فكأن سائلا سأل فقال فما صنع نوح عند بلوغهم منه هذا المبلغ فقيل قال إن تسخروا منا أى إن تنسبونا فيما نحن بصدده من التأهب والمباشرة لاسباب الخلاص من العذاب إلى الجهل وتسخروا منا لأجله فإنا ننسبكم إليه فيما أنتم فيه من الإعراض عن استدفاعه بالإيمان والطاعة ومن الاستمرار على الكفر والمعاصى والتعرض لأسباب حلول سخط الله تعالى التى من جملتها استجهالكم إيانا وسخريتكم منا والتشبيه فى قوله تعالى (كَما تَسْخَرُونَ) إما فى مجرد التحقق والوقوع أو فى التجدد والتكرر حسبما صدر* عن ملأغب ملألا فى الكيفيات والأحوال التى لا تليق بشأن النبى صلىاللهعليهوسلم فكلا الأمرين واقع فى الحال وقيل نسخر منكم فى المستقبل سخرية مثل سخريتكم إذا وقع عليكم الغرق فى الدنيا والحرق فى الآخرة ولعل مراده نعاملكم معاملة من يفعل ذلك لأن نفس السخرية مما لا يكاد يليق بمنصب النبوة ومع ذلك لا سداد له لأن حالهم إذ ذاك ليس مما يلائمه السخرية أو ما يجرى مجراها فتأمل (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) وهو عذاب الغرق (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ) حلول الدين المؤجل (عَذابٌ مُقِيمٌ) هو عذاب النار الدائم وهو* تهديد بليغ ومن عبارة عنهم وهى إما استفهامية فى حيز الرفع أو موصولة فى محل النصب بتعلمون وما فى حيزها سد مسد مفعولين أو مفعول واحد إن جعل العلم بمعنى المعرفة ولما كان مدار سخريتهم استجهالهم إياه صلىاللهعليهوسلم فى مكابدة المشاق الفادحة لدفع مالا يكاد يدخل تحت الصحة على زعمهم من الطوفان ومقاساة الشدائد فى بناء السفينة وكانوا يعدونه عذابا قيل بعد استجهالهم فسوف تعلمون من يأتيه العذاب يعنى أن ما أباشره ليس فيه عذاب لا حق بى فسوف تعلمون من المعذب ولقد أصاب العلم بعد استجهالهم محزه ووصف العذاب بالإخزاء لما فى الاستهزاء والسخرية من لحوق الخزى والعار عادة والتعرض لحلول العذاب المقيم للمبالبغة فى التهديد وتخصيصه بالمؤجل وإيراد الأول بالإتيان فى غاية الجزالة (حَتَّى إِذا