(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (٣٥)
____________________________________
بالكفر للدلالة على أنهم ضموا الكفر بالرسول إلى الكفر بالله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) شروع فى بيان حال الأحبار والرهبان فى إغوائهم لأراذلهم إثر بيان سوء حال الأتباع فى اتخاذهم لهم أربابا يطيعونهم فى* الأوامر والنواهى واتباعهم لهم فيما يأتون وما يذرون (إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) يأخذونها بطريق الرشوة لتغيير الأحكام والشرائع والتخفيف والمسامحة فيها وإنما عبر* عن ذلك بالأكل كل بناء على أنه معظم الغرض منه وتقبيحا لحالهم وتنفيرا للسامعين عنهم (وَيَصُدُّونَ) الناس* (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دين الإسلام أو عن المسلك المقرر فى التوراة والإنجيل إلى ما افتروه وحرفوه بأخذ* الرشا أو يصدون عنه بأنفسهم بأكلهم الأموال بالباطل (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أى يجمعونهما ويحفظونهما سواء كان ذلك بالدفن أو بوجه آخر والموصول عبارة إما عن الكثير من الأحبار والرهبان فيكون مبالغة فى الوصف بالحرص والضن بهما بعد وصفهم بما سبق من أخذ الرشا والبراطيل فى* الأباطيل وإما عن المسلمين الكانزين غير المنفقين وهو الأنسب بقوله عزوجل (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) فيكون نظمهم فى قرن المرتشين من أهل الكتاب تغليظا ودلالة على كونهم أسوة لهم فى استحقاق البشارة بالعذاب الأليم فالمراد بالإنفاق فى سبيل الله الزكاة لما روى أنه لما نزل كبر ذلك على المسلمين فذكر عمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال إن الله تعالى لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقى من أموالكم ولقوله صلىاللهعليهوسلم ما أدى زكاته فليس بكنز أى بكنز أوعد عليه فإن الوعيد عليه مع عدم الإنفاق فيما أمر الله بالإنفاق فيه وأما قوله صلىاللهعليهوسلم من ترك صفراء أو بيضاء كوى بها ونحوه فالمراد بها ما لم يؤد حقها لقوله صلىاللهعليهوسلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيكوى* بها جنبه وجبينه وظهره (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) خبر للموصول والفاء لتضمنه معنى الشرط ويجوز أن يكون الموصول منصوبا بفعل يفسره فبشرهم (يَوْمَ) منصوب بعذاب أليم أو بمضمر يدل عليه ذلك* أى يعذبون أو باذكر (يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) أى يوم توقد النار ذات حمى شديد عليها وأصله تحمى النار فجعل الإحماء للنار مبالغة ثم حذفت النار وأسند الفعل إلى الجار والمجرور تنبيها على المقصود فانتقل من صيغة التأنيث إلى التذكير كما تقول رفعت القصة إلى الأمير فإن طرحت القصة قلت رفع إلى الأمير وإنما قيل عليها والمذكور شيآن لأن المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة كما قال على رضى الله عنه أربعة آلاف