(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٣٣)
____________________________________
تعالى فكيف يصح أن يكونوا أربابا وهم مأمورون مستعبدون مثلهم ولا يقدح فى ذلك كون ربوبية الأحبار والرهبان بطريق الإطاعة فإن تخصيص العبادة به تعالى لا يتحقق إلا بتخصيص الطاعة أيضا به تعالى وحيث لم يخصوها به تعالى لم يخصوا العبادة به سبحانه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) صفة ثانية لإلها أو* استئناف مقرر للتوحيد (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) عن الإشراك به فى العبادة والطاعة (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) إطفاء النار عبارة عن إزالة لهبها الموجبة لزوال نورها لا عن إزالة نورها كما قيل لكن لما كان الغرض من إطفاء نار لا يراد بها إلا النور كالمصباح إزالة نورها جعل إطفاؤها عبارة عنها ثم شاع ذلك حتى كان عبارة عن مطلق إزالة النور وإن كان لغير النار والسر فى ذلك انحصار إمكان الإزالة فى نورها والمراد بنور الله سبحانه إما حجته النيرة الدالة على وحدانيته وتنزهه عن الشركاء والأولاد أو القرآن العظيم الناطق بذلك أى يريد أهل الكتابين أن يردوا القرآن ويكذبوه فيما نطق به من التوحيد والتنزه عن الشركاء والأولاد والشرائع التى من جملتها ما خالفوه من أمر الحل والحرمة (بِأَفْواهِهِمْ) بأقاويلهم الباطلة الخارجة منها من غير أن يكون لها مصداق تنطبق عليه أو أصل تستند* إليه حسبما حكى عنهم وقيل المراد به نبوة النبىصلىاللهعليهوسلم هذا وقد قيل مثلت حالهم فيما ذكر بحال من يريد طمسن نور عظيم منبث فى الآفاق بنفخه (وَيَأْبَى اللهُ) أى لا يريد (إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) بإعلاء كلمة التوحيد وإعزاز* دين الإسلام وإنما صح الاستثناء المفرغ من الموجب لكونه بمعنى النفى كما أشير إليه لوقوعه فى مقابلة قوله تعالى يريدون وفيه من المبالغة والدلالة على الامتناع ما ليس فى نفى الإرادة أى لا يريد شيئا من الأشياء إلا إتمام نوره فيندرج فى المستثنى منه بقاؤه على ما كان عليه فضلا عن الإطفاء وفى إظهار النور فى مقام الإضمار مضافا إلى ضميره عزوجل زيادة اعتناء بشأنه وتشريف له على تشريف وإشعار بعلة الحكم (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) جواب لو محذوف لدلالة ما قبله عليه والجملة معطوفة على جملة قبلها مقدرة وكلتاهما فى موقع الحال أى لا يريد الله إلا إتمام نوره لو لم يكره الكافرون ذلك ولو كرهوه أى على كل حال مفروض وقد حذفت الأولى فى الباب حذفا مطردا لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة لأن الشىء إذا تحقق عند المانع فلأن يتحقق عند عدمه أولى وعلى هذا السر يدور ما فى إن ولو الوصليتين من التأكيد وقد مر زيادة تحقيق لهذا مرار (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) ملتبسا (بِالْهُدى) أى القرآن الذى هو هدى للمتقين (وَدِينِ الْحَقِّ) الثابت وهو دين الإسلام (لِيُظْهِرَهُ) أى رسوله (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أى على أهل الأديان كلهم أو ليظهر* الدين الحق على سائر الأديان بنسخه إياها حسبما تقتضيه الحكمة والجملة بيان وتقرير لمضمون الجملة السابقة والكلام فى قوله عزوجل (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) كما فيما سبق خلا أن وصفهم بالشرك بعد وصفهم*