(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣١)
____________________________________
بنات الله لا قدماؤهم كما قيل إذ لا تعدد فى القول حتى يتأتى التشبيه وجعله بين قولى الفريقين مع اتحاد المقول ليس فيه مزيد مزية وقيل الضمير للنصارى أى يضاهى قولهم المسيح ابن الله قول اليهود عزير الخ لأنهم أقدم منهم وهو أيضا كما ترى فإنه يستدعى اختصاص الرد والإبطال بقوله تعالى (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) بقول النصارى (قاتَلَهُمُ اللهُ) دعاء عليهم جميعا بالإهلاك فإن من قاتله الله هلك أو تعجب من* شناعة قولهم (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) كيف يصرفون من الحق إلى الباطل والحال أنه لا سبيل إليه أصلا (اتَّخَذُوا) زيادة تقرير لما سلف من كفرهم بالله تعالى (أَحْبارَهُمْ) وهم علماء اليهود واختلف فى واحده قال الأصمعى لا أدرى أهو حبر أم حبر وقال أبو الهيثم بالفتح لا غير وكان الليث وابن السكيت يقولان* حبر وحبر للعالم ذميا كان أو مسلما بعد أن كان من أهل الكتاب (وَرُهْبانَهُمْ) وهم علماء النصارى من* أصحاب الصوامع أى اتخذ كل واحد من الفريقين علماءهم لا الكل الكل (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) بأن أطاعوهم فى تحريم ما أحله الله تعالى وتحليل ما حرمه أو بالسجود لهم ونحوه تسمية اتباع الشيطان عبادة له فى قوله تعالى يا أبت لا تعبد الشيطان وقوله تعالى (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ). قال عدى بن حاتم أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفى عنقى صليب من ذهب وكان إذ ذاك على دين يسمى الركوسية فريق من النصارى وهو يقرأ سورة براءة فقال يا عدى اطرح هذا الوثن فطرحته فلما انتهى إلى قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) قلت يا رسول الله لم يكونوا يعبدونهم فقال صلىاللهعليهوسلم أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه فقلت بلى قال ذلك عبادتهم قال الربيع قلت لأبى العالية كيف كانت تلك الربوبية فى بنى إسرائيل قال إنهم ربما وجدوا فى كتاب الله تعالى ما يخالف أقوال الأحبار فكانوا* يأخذون بأقوالهم ويتركون حكم كتاب الله (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) عطف على رهبانهم أى اتخذه النصارى ربا معبودا بعد ما قالوا إنه ابنه تعالى عن ذلك علوا كبيرا وتخصيص الاتخاذ به يشير إلى أن اليهود ما فعلوا ذلك بعزير وتأخيره فى الذكر مع أن اتخاذهم له صلىاللهعليهوسلم ربا معبودا أقوى من مجرد الإطاعة فى أمر التحليل والتحريم كما هو المراد باتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا لأنه مختص بالنصارى ونسبته صلىاللهعليهوسلم إلى أمه من حيث دلالتها على مربوبيته المافية للربوبية للإيذان بكمال ركاكة رأيهم والقضاء عليهم بنهاية* الجهل والحماقة (وَما أُمِرُوا) أى والحال أن أولئك الكفرة ما أمروا فى كتابيهم (إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) عظيم الشأن هو الله سبحانه وتعالى ويطيعوا أمره ولا يطيعوا أمر غيره بخلافه فإن ذلك مخل بعبادته تعالى فإن جميع الكتب السماوية متفقة على ذلك قاطبة وقد قال المسيح عليهالسلام إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وأما إطاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم وسائر من أمر الله تعالى بطاعته فهى فى الحقيقة إطاعة لله عزوجل أو وما أمر الذين اتخذهم الكفرة أربابا من المسيح والأحبار والرهبان إلا ليوحدوا الله