(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٨٥)
____________________________________
إلا أنها حين هوت منها فهى أسرع شىء لحوقا بهم فكأنها بمكان قريب منهم أو لأنه على زنة المصدر كالزفير والصهيل والمصادر يستوى فى الوصف بها المذكر والمؤنث (وَإِلى مَدْيَنَ) أى أولاد مدين بن إبراهيم عليهالسلام أو جعل اسما للقبيلة بالغلبة أو أهل مدين وهو بلد بناه مدين فسمى باسمه (أَخاهُمْ) أى نسيبهم* (شُعَيْباً) وهو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه والجملة* معطوفة على قوله تعالى (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) أى وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا (قالَ) استئناف وقع* جوابا عن سؤال نشأ عن صدر الكلام فكأنه قيل فماذا قال لهم فقيل قال كما قال من قبله من الرسل عليهمالسلام (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوه ولا تشركوا به شيئا (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) تحقيق للتوحيد وتعليل* للأمر به وبعد ما أمرهم بما هو ملاك أمر الدين وأول ما يجب على المكلفين نهاهم عن ترتيب مبادى ما اعتادوه من البخس والتطفيف عادة مستمرة فقال (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) كى تتوسلوا بذلك إلى بخس* حقوق الناس (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) أى ملتبسين بثروة وسعة تغنيكم عن ذلك أو بنعمة من الله تعالى حقها أن* تقابل بغير ما تأتونه من المسامحة والتفضل على الناس شكرا عليها أو أراكم بخير فلا تزيلوه بما أنتم عليه من الشر وهو على كل حال علة للنهى عقبت بعلة أخرى أعنى قوله عزوجل (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن لم تنتهوا* عن ذلك (عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) لا يشذ منه شاذ منكم وقيل عذاب يوم مهلك من قوله تعالى (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) * وأصله من إحاطة العدو والمراد عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ووصف اليوم بالإحاطة وهى حال العذاب على الإسناد المجازى وفيه من المبالغة مالا يخفى فإن اليوم زمان يشتمل على ما وقع فيه من الحوادث فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه كما إذا أحاط بنعيمه ويجوز أن يكون هذا تعليلا للأمر والنهى جميعا (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أى بالعدل من غير زيادة ولا نقصان فإن الزيادة فى الكيل والوزن وإن كان تفضلا مندوبا إليه لكنها فى الآلة محظورة كالنقص فلعل الزائد للاستعمال عند الاكتيال والناقص للاستعمال وقت الكيل وإنما أمر بتسويتهما وتعديلهما صريحا بعد النهى عن نقصهما مبالغة فى الحمل على الإيفاء والمنع من البخس وتنبيها على أنه لا يكفيهم مجرد الكف عن النقص والبخس بل يجب عليهم إصلاح ما أفسدوه وجعلوه معيارا لظلمهم وقانونا لعدوانهم (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ) بسبب نقصهما وعدم اعتدالهما (أَشْياءَهُمْ) التى يشترونها بهما* وقد صرح بالنهى عن البخس بعد ما علم ذلك فى ضمن النهى عن نقص المعيار والأمر بإيفائه اهتماما بشأنه وترغيبا فى إيفاء الحقوق بعد الترهيب والزجر عن نقصها ويجوز أن يكون المراد بالأمر بإيفاء المكيال