(بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (٨٧)
____________________________________
والميزان الأمر بإيفاء المكيلات والموزونات ويكون النهى عن البخس عاما للنقص فى المقدار وغيره* تعميما بعد التخصيص كما فى قوله تعالى (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) فإن العثى يعم نقص الحقوق وغيره من أنواع الفساد وقيل البخس المكس كأخذ العشور فى المعاملات قال زهير بن أبى سلمى[أفى كل أسواق العراق أتاوة * وفى كل ما باع امرؤ مكس درهم] والعثى فى الأرض السرقة وقطع الطريق والغارة وفائدة الحال إخراج ما يقصد به الإصلاح كما فعله الخضر عليهالسلام من خرق السفينة وقتل الغلام وقيل معناه ولا تعثوا فى الأرض مفسدين أمر آخرتكم ومصالح دينكم (بَقِيَّتُ اللهِ) أى ما أبقاه* لكم من الحلال بعد التنزه عن تعاطى المحرمات (خَيْرٌ لَكُمْ) مما تجمعون بالبخس والتطفيف فإن ذلك هباء* منثورا بل شر محض وإن زعمتم أن فيه خيرا كقوله تعالى (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بشرط أن تؤمنوا فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة وذلك مشروط بالإيمان لا محالة أو إن كنتم مصدقين لى فى مقالتى لكم وقيل البقية الطاعات كقوله عزوجل (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ) * وقرىء تقية الله بالفوقانية وهى تقواه عن المعاصى (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أحفظكم من القبائح أو أحفظ عليكم أعمالكم فأجازيكم وإنما أنا ناصح مبلغ وقد أعذرت إذ أنذرت ولم آل فى ذلك جهدا أو ما أنا بحافظ ومستبق عليكم نعم الله تعالى إن لم تتركوا ما أنتم عليه من سوء الصنيع (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأوثان أجابوا بذلك أمره عليهالسلام إياهم بعبادة الله وحده المتضمن لنهيهم عن عبادة الأصنام ولقد بالغوا فى ذلك وبلغوا أقصى مراتب الخلاعة والمجون والضلال حيث لم يكتفوا بإنكار الوحى الآمر بذلك حتى ادعوا أن لا آمر به من العقل واللب أصلا وأنه من أحكام الوسوسة والجنون وعلى ذلك بنوا استفهامهم وقالوا بطريق الاستهزاء أصلاتك التى هى من نتائج الوسوسة وأفاعيل المجانين تأمرك بأن نترك عبادة الأوثان التى توارثناها أبا عن جد وإنما جعلوه عليهالسلام مأمورا مع أن الصادر عنه إنما هو الأمر بعبادة الله تعالى وغير ذلك من الشرائع لأنه عليهالسلام لم يكن يأمرهم بذلك من تلقاء نفسه بل من جهة الوحى وأنه كان يعلمهم بأنه مأمور بتبليغه إليهم وتخصيصهم بإسناد الأمر إلى الصلاة من بين سائر أحكام النبوة لأنه صلىاللهعليهوسلم كان كثير الصلاة معروفا بذلك وكانوا إذا رأوه يصلى يتغامزون ويتضاحكون فكانت هى من بين سائر شعائر الدين ضحكة لهم وقرىء أصلواتك* (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) جواب عن أمره عليهالسلام بإيفاء الحقوق ونهيه عن البخس والنقص معطوف على ما أى أو أن نترك أن نفعل فى أموالنا ما نشاء من الأخذوا لإعطاء والزيادة والنقص وقرىء بالتاء فى الفعلين عطفا على مفعول تأمرك أى أصلاتك تأمرك أن تفعل أنت فى أموالنا ما تشاء وتجويز