(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (٨٨)
____________________________________
العطف على ما قيل يستدعى أن يراد بالترك معنيان متخالفان والمراد بفعله عليهالسلام إيجاب الإيفاء والعدل فى معاملاتهم لا نفس الإيفاء فإن ذلك ليس من أفعاله عليهالسلام بل من أفعالهم وإنما لم نقل عطفا على أن نترك لأن الترك ليس مأمورا به على الحقيقة بل المأمور به تكليفه عليهالسلام إياهم وأمره بذلك والمعنى أصلاتك تأمرك أن تكلفنا أن نترك ما يعبد آباؤنا وحمله على معنى أصلاتك تأمرك بما ليس فى وسعك وعهدتك من أفاعيل غيرك ليكون ذلك تعريضا منهم بركاكة رأيه عليهالسلام واستهزاء به من تلك الجهة يأباه دخول الهمزة على الصلاة دون الأمر ويستدعى أن يصدر عنه عليهالسلام فى أثناء الدعوة ما يدل على ذلك أو يوهمه وأنى ذلك فتأمل وقرىء بالنون فى الأول والتاء فى الثانى عطفا على أن نترك أى أو أن نفعل نحن فى أموالنا عند المعاملة ما تشاء أنت من التسوية والإيفاء (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) وصفوه* عليهالسلام بالوصفين على طريقة التهكم وإنما أرادوا بذلك وصفه بضديهما كقول الخزنة (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ويجوز أن يكون تعليلا لما سبق من استبعاد ما ذكروه على معنى (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) على زعمك وأما وصفه بهما على الحقيقة فيأباه مقام الاستهزاء اللهم إلا أن يراد بالصلاة الدين كما قيل (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) أى حجة واضحة وبرهان نير عبر بها عما آتاه الله تعالى من النبوة ٨٨ والحكمة ردا على مقالتهم الشنعاء فى جعلهم أمره ونهيه غير مستند إلى سند (مِنْ رَبِّي) ومالك أمورى* وإيراد حرف الشرط مع جزمه عليهالسلام بكونه على ما هو عليه من البينات والحجج لاعتبار حال المخاطبين ومراعاة حسن المحاورة معهم كما ذكرناه فى نظائره (وَرَزَقَنِي مِنْهُ) أى من لدنه (رِزْقاً حَسَناً) * هو النبوة والحكمة أيضا عبر عنهما بذلك تنبيها على أنهما مع كونهما بينة رزق حسن كيف لا وذلك مناط الحياة الأبدية له ولأمته وجواب الشرط محذوف يدل عليه فحوى الكلام أى أتقولون فى شأنى ما تقولون والمعنى إنكم نظمتمونى فى سلك السفهاء والغواة وعددتم ما صدر عنى من الأوامر والنواهى من قبيل مالا يصح أن يتفوه به عاقل وجعلتموه من أحكام الوسوسة والجنون واستهزأتم بى وبأفعالى حتى قلتم إن ما أمرتكم به من التوحيد وترك عبادة الأصنام والاجتناب عن البخس والتطفيف ليس مما يأمر به آمر العقل ويقضى به قاضى الفطنة وإنما يأمر به صلاتك التى هى من أحكام الوسوسة والجنون فأخبرونى إن كنت من جهة ربى ومالك أمورى ثابتا على النبوة والحكمة التى ليس وراءها غاية للكمال ولا مطمح لطامح ورزقنى بذلك رزقا حسنا أتقولون فى شأنى وشأن أفعالى ما تقولون مما لا خير فيه ولا شروراءه هذا هو الجواب الذى يستدعيه السباق والسياق ويساعده النظم الكريم وأما ما قيل من أن المحذوف أيصح لى أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصى أو هل يسع لى مع هذا الإنعام الجامع