(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (٨٣)
____________________________________
على غير الأفصح ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات بل عدم نهيها عنه بطريق الاستصلاح ولذلك علله* على طريقة الاستئناف بقوله (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) من العذاب وهو أمطار الأحجار وإن لم يصيبها الخسف والضمير فى إنه للشأن وقوله تعالى (مُصِيبُها) خبر وقوله (ما أَصابَهُمْ) مبتدأ والجملة خبر لإن الذى اسمه ضمير الشأن وفيه مالا يخفى من تفخيم شأن ما أصابهم ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعا على قراءة* الرفع (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) أى موعد عذابهم وهلاكهم تعليل للأمر بالإسراء والنهى عن الالتفات* المشعر بالحث على الإسراع (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) تأكيد للتعليل فإن قرب الصبح داع إلى الإسراع فى الإسراء للتباعد عن مواقع العذاب وروى أنه قال للملائكة متى موعد هلاكهم قالوا الصبح قال أريد أسرع من ذلك فقالوا ذلك وإنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ أفظع ولأنه أنسب بكون ذلك عبرة للناظرين (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أى وقت عذابنا وموعده* وهو الصبح (جَعَلْنا عالِيَها) أى عالى قرى قوم لوط وهى التى عبر عنها بالمؤتفكات وهى خمس مدائن فيها* أربعمائة ألف ألف (سافِلَها) أى قلبناها على تلك الهيئة وجعل عاليها مفعولا أول للجعل وسافلها مفعولا ثانيا له وإن تحقق القلب بالعكس أيضا لتهويل الأمر وتفظيع الخطب لأن جعل عاليها الذى هو مقارهم ومساكنهم سافلها أشد عليهم وأشق من جعل سافلها عاليها وإن كان مستلزما له. روى أنه جعل جبريل عليهالسلام جناحه فى أسفلها ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم وإسناد الجعل والأمطار إلى ضميره سبحانه باعتبار أنه المسبب لتفخيم الأمر وتهويل الخطب* (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها) على أهل المدائن أو شذاذهم (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) من طين متحجر كقوله (حِجارَةً مِنْ طِينٍ) وأصله سنك كل فعرب وقيل هو من أسجله إذا أرسله أو أدر عطيته والمعنى من مثل الشىء المرسل أو مثل العطية فى الإدرار أو من السجل أى مما كتب الله تعالى أن يعذبهم به وقيل أصله من سجين أى* من جهنم فأبدلت نونه لاما (مَنْضُودٍ) نضد فى السماء نضدا معدا للعذاب وقيل يرسل بعضه إثر بعض كقطار الأمطار (مُسَوَّمَةً) معلمة للعذاب وقيل معلمة ببياض وحمرة أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض* أو باسم من ترمى به (عِنْدَ رَبِّكَ) فى خزائنه التى لا يتصرف فيها غيره عزوجل (وَما هِيَ) أى الحجارة* الموصوفة (مِنَ الظَّالِمِينَ) من كل ظالم (بِبَعِيدٍ) فإنهم بسبب ظلمهم مستحقون لها وملابسون بها وفيه وعيد شديد لأهل الظلم كافة. وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه سأل جبريل عليهالسلام فقال يعنى ظالمى أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة وقيل الضمير للقرى أى هى قريبة من ظالمى مكة يمرون بها فى مسايرهم وأسفارهم إلى الشام وتذكير البعيد على تأويل الحجارة بالحجر أو إجرائه على موصوف مذكر أى بشىء بعيد أو بمكان بعيد فإنها وإن كانت فى السماء وهى فى غاية البعد من الأرض