(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (٣٦)
____________________________________
وما دونها نفقة وما فوقها كنز وكذا الكلام فى قوله تعالى (وَلا يُنْفِقُونَها) وقيل الضمير للأموال والكنوز فإن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر لأنهما قانون التمول أو للفضة وتخصيصها لقربها ودلالة حكمها على أن الذهب كذلك بل أولى (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) لأن جمعهم لها وإمساكهم كان* لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية أو لأنهم ازوروا عن السائل وأعرضوا عنه وولوه ظهورهم أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة فإنها المشتملة على الأعضاء الرئيسة التى هى الدماغ والقلب والكبد أو لأنها أصول الجهات الأربعة التى هى مقاديم البدن ومآخره وجنباه (هذا ما كَنَزْتُمْ) على إرادة القول (لِأَنْفُسِكُمْ) لمنفعتها فكان عين مضرتها وسبب تعذيبها (فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) أى وبال كنزكم أو ما تكنزونه وقرىء بضم النون (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) أى عددها (عِنْدَ اللهِ) أى فى حكمه وهو معمول لها لأنها مصدر (اثْنا عَشَرَ) خبر لأن (شَهْراً) تمييز مؤكد كما فى قولك عندى* من الدنانير عشرون دينارا والمراد الشهور القمرية إذ عليها يدور فلك الأحكام الشرعية (فِي كِتابِ اللهِ) فى اللوح المحفوظ أو فيما أثبته وأوجبه وهو صفة اثنا عشر أى اثنا عشر شهرا مثبتا فى كتاب الله وقوله عزوجل (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) متعلق بما فى الجار والمجرور من معنى الاستقرار* أو بالكتاب على أنه مصدر والمعنى إن هذا أمر ثابت فى نفس الأمر منذ خلق الله تعالى الأجرام والحركات والأزمنة (مِنْها) أى من تلك الشهور الإثنى عشر (أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) هى ذو القعدة وذو الحجة* والمحرم ورجب ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم فى خطبته فى حجة الوداع ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان والمعنى رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه من الحل والحرمة وعاد الحج إلى ذى الحجة بعد ما كانوا أزالوه عن محله بالنسىء الذى أحدثوه فى الجاهلية وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة وكانت حجة أبى بكر رضى الله عنه قبلها فى ذى القعدة (ذلِكَ) أى تحريم الأشهر الأربعة* المعينة المعدودة وما فى ذلك من معنى البعد لتفخيم المشار إليه هو (الدِّينُ الْقَيِّمُ) المستقيم دين إبراهيم* وإسمعيل عليهماالسلام وكانت العرب قد تمسكت به وراثة منهما وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ويكرهون القتال فيها حتى أنه لو لقى رجل قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه وسموا رجبا الأصم ومنصل الأسنة حتى أحدثوا النسىء فغيروا (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) بهتك حرمتهن وارتكاب ما حرم فيهن والجمهور على أن حرمة* القتال فيهن منسوخة وأن الظلم ارتكاب المعاصى فيهن فإنه أعظم وزرا كارتكابها فى الحرم وعن عطاء أنه لا يحل للناس أن يغزوا فى الحرم ولا فى الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا وما نسخت ويؤيد الأول أنه