(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) (٢٩)
____________________________________
فإن كفرهم به ليس بسبب هذا القول ولو فرض صدوره عنهم سواء كان المقول لهم المنافقين أو المشركين* على رأى القائل بل من حين بعثته عليه الصلاة والسلام (لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) أى لليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع علمهم بأنه من عند الله تعالى حسدا وطمعا فى نزوله* عليهم لا للمشركين كما قيل فإن قوله تعالى (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) عبارة قطعا عما حكى عنهم بقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) وهم بنو قريظة والنضير الذين كانوا يوالونهم ويوادونهم وأرادوا بالبعض الذى أشاروا إلى عدم إطاعتهم فيه إظهار كفرهم وإعلان أمرهم بالفعل قبل قتالهم وإخراجهم من ديارهم فإنهم كانوا يأبون ذلك قبل مساس الحاجة الضرورية الداعية إليه لما كان لهم فى إظهار الإيمان من المنافع الدنيوية وإنما كانوا يقولون لهم ما يقولون سرا كما يعرب عنه* قوله تعالى (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) أى إخفاءهم لما يقولونه لليهود وقرىء أسرارهم أى جميع أسرارهم التى من جملتها قولهم هذا والجملة اعتراض مقرر لما قبله متضمن للإفشاء فى الدنيا والتعذيب فى الآخرة والفاء فى قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها وكيف منصوب بفعل محذوف هو العامل فى الظرف كأنه قيل يفعلون فى حياتهم ما يفعلون من الحيل فكيف يفعلون إذا توفتهم الملائكة وقيل مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى فكيف حالهم أو حيلتهم إذا توفتهم الخ وقرىء* توفاهم على أنه إما ماض أو مضارع قد حذف إحدى تاءيه (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) حال من فاعل توفتهم أو من مفعوله وهو تصوير لتوفيهم على أهول الوجوه وأفظعها وعن ابن عباس رضى الله عنهما لا يتوفى أحد على معصية إلا يضرب الملائكة وجهه ودبره (ذلِكَ) التوفى الهائل (بِأَنَّهُمُ) * أى بسبب أنهم (اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) من الكفر والمعاصى (وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) أى ما يرضاه من* الإيمان والطاعة حيث كفروا بعد الإيمان وخرجوا عن الطاعة بما صنعوا من المعاملة مع اليهود (فَأَحْبَطَ) * لأجل ذلك (أَعْمالَهُمْ) التى عملوها حال إيمانهم من الطاعات أو بعد ذلك من أعمال البر التى لو عملوها حال الإيمان لانتفعوا بها (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) هم المنافقون الذين فصلت أحوالهم* الشنيعة وصفوا بوصفهم السابق لكونه مدار لمانعى عليهم بقوله تعالى (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) فأم منقطعة وأن مخففة من أن وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف ولن بما فى حيزها خبرها والأضغان جمع ضغن وهو الحقد أى بل أحسب الذين فى قلوبهم حقدا وعداوة للمؤمنين أنه لن يخرج الله أحقادهم