(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٤)
____________________________________
بلغه أن رجلا قال ما هذا بفتح لقد صددنا عن البيت وصد هدينا قال بل هو أعظم الفتوح وقد رضى المشركون أن يدفعوكم بالراح ويسألوكم القضية ويرغبوا إليكم فى الأمان وقد رأوا منكم ما يكرهون وعن الشعبى نزلت بالحديبية وأصاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى تلك الغزوة ما لم يصب فى غزوة حيث أصاب أن بويع بيعة الرضوان وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبلغ الهدى محله وأطعموا نخل خيبر وظهرت الروم على فارس ففرح به المسلمون وكان فى فتح الحديبية آية عظيمة هى أنه نزح ماؤها حتى لم يبق فيها قطرة فتمضمض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه وشبع وقيل فجاش الماء حتى امتلأت ولم ينفد ماؤها بعد وقيل هو جميع ما فتح له عليه الصلاة والسلام من الفتوح وقيل هو ما فتح الله له عليه الصلاة والسلام من الإسلام والنبوة والدعوة بالحجة والسيف ولا فتح أبين منه وأعظم وهو رأس الفتوح كافة إذ لا فتح من فتوح الإسلام إلا وهو شعبة من شعبه وفرع من فروعه وقيل الفتح بمعنى القضاء ومنه الفتاحة للحكومة والمعنى قضينا لك على أهل مكة أن تدخلها من قابل وهو المروى عن قتادة رضى الله عنه وأيا ما كان فحذف المفعول للقصد إلى نفس الفعل والإيذان بأن مناط التبشير نفس الفتح الصادر عنه سبحانه لا خصوصية المفتوح (فَتْحاً مُبِيناً) بينا ظاهر الأمر مكشوف الحال أو فارقا بين الحق والباطل وقوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) غاية للفتح من حيث أنه مترتب على سعيه عليه الصلاة والسلام فى إعلاء كلمة الله تعالى بمكابدة مشاق الحروب واقتحام موارد الخطوب والالتفات إلى اسم الذات المستتبع لجميع الصفات للإشعار بأن كل واحد مما انتظم فى سلك الغاية من أفعاله تعالى صادر عنه تعالى من حيثية غير حيثية الآخر* مترتبة على صفة من صفاته تعالى (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) أى جميع ما فرط منك من ترك الأولى* وتسميته ذنبا بالنظر إلى منصبه الجليل (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة وغيرهما* مما أفاضه عليه من النعم الدينية والدنيوية (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) فى تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرياسة وأصل الاستقامة وإن كانت حاصلة قبل الفتح لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبل الحق واستقامة مناهجه ما لم يكن حاصلا قبل (وَيَنْصُرَكَ اللهُ) إظهار الاسم الجليل لكونه خاتمة الغايات* ولإظهار كمال العناية بشأن النصر كما يعرب عنه تأكيده بقوله تعالى (نَصْراً عَزِيزاً) أى نصرا فيه عزة ومنعة ٤ أو قويا منيعا على وصف المصدر بوصف صاحبه مجازا للمبالغة أو عزيزا صاحبه (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ)