(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (٦)
____________________________________
بيان لما أفاض عليهم من مبادى الفتح من الثبات والطمأنينة أى أنزلها (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) بسبب* الصلح والأمن إظهارا لفضله تعالى عليهم بتيسير الأمن بعد الخوف (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) * أى يقينا منضما إلى يقينهم أو أنزل فيها السكون إلى ما جاء به عليه الصلاة والسلام من الشرائع ليزدادوا إيمانا بها مقرونا مع إيمانهم بالوحدانية واليوم الآخر عن ابن عباس رضى الله عنهما أن أول ما أتاهم به النبى صلىاللهعليهوسلم التوحيد ثم الصلاة والزكاة ثم الحج والجهاد فازدادوا إيمانا مع إيمانهم أو أنزل فيها الوقار والعظمة لله تعالى ولرسوله ليزدادوا باعتقاد ذلك إيمانا إلى إيمانهم (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يدبر أمرها كيفما يريد يسلط بعضها على بعض تارة ويوقع بينهما السلم أخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصاح (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) مبالغا فى العلم بجميع الأمور (حَكِيماً) فى تقديره* وتدبيره وقوله تعالى (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) متعلق* بما يدل عليه ما ذكر من كون جنود السموات والأرض له تعالى من معنى التصرف والتدبير أى دبر ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله فى ذلك ويشكروها فيدخلهم الجنة (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) * أى يغطيها ولا يظهرها وتقديم الإدخال فى الذكر على التكفير مع أن الترتيب فى الوجود على العكس للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى (وَكانَ ذلِكَ) أى ما ذكر من الإدخال والتفكير (عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) لا يقادر قدره لأنه منتهى ما يمتد إليه أعناق الهمم من جلب نفع ودفع ضر وعند الله حال من فوزا لأنه صفته فى الأصل فلما قدم عليه صار حالا أى كائنا عند الله أى فى علمه تعالى وقضائه والجملة اعتراض مقرر لما قبله (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) عطف على يدخل وفى تقديم المنافقين على المشركين ما لا يخفى من الدلالة على أنهم أحق منهم بالعذاب (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) أى ظن الأمر السوء وهو أن لا ينصر رسوله والمؤمنين (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) أى ما يظنونه* ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم وقرىء دائرة السوء بالضم وهما لغتان من ساء كالكره والكره خلا أن المفتوح غلب فى أن يضاف إليه ما يراد ذمه من كل شىء وأما المضموم فجار مجرى الشر (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ) عطف على ما استحقوه فى الآخرة على ما استوجبوه* فى الدنيا والواو فى الأخيرين مع أن حقهما الفاء المفيدة لسببية ما قبلها لما بعدها للإيذان باستقلال كل منهما فى الوعيد وأصالته من غير اعتبار استتباع بعضها لبعض (وَساءَتْ مَصِيراً) أى جهنم.