(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٢)
____________________________________
فلان يعطى ويمنع أى يفعل الإعطاء والمنع أو لا تقدموا أمرا من الأمور على أن حذف المفعول للقصد إلى تعميمه والأول أو فى بحق المقام لإفادته النهى عن التلبس بنفس الفعل الموجب لانتفائه بالكلية المستلزم لانتفاء تعلقه بمفعوله بالطريق البرهانى وقد جوز أن يكون التقديم بمعنى التقدم ومنه مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة ويعضده قراءة من قرأ لا تقدموا بحذف إحدى التأءين من تتقدموا* وقرىء لا تقدموا من القدوم وقوله تعالى (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدى الإنسان تهجينا لما نهوا عنه والمعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به وقيل المراد بين يدى رسول الله وذكر الله تعالى لتعظيمه والإيذان بجلالة محله عنده عزوجل قيل نزل فيما جرى بين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما لدى النبى صلىاللهعليهوسلم فى تامير الأقرع بن حابس أو القعقاع بن معبد* (وَاتَّقُوا اللهَ) فى كل ما تأتون وما تذرون من الأقوال والأفعال التى من جملتها ما نحن فيه (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأفعالكم فمن حقه أن يتقى ويراقب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) شروع فى النهى عن التجاوز فى كيفية القول عند النبى عليه الصلاة والسلام بعد النهى عن التجاوز فى نفس القول والفعل وإعادة النداء مع قرب العهد به للمبالغة فى الإيقاظ والتنبيه والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه أى لا تبلغوا بأصواتكم وراء حد* يبلغه عليه الصلاة والسلام بصوته وقرىء لا ترفعوا بأصواتكم على أن الباء زائدة (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) إذا كلمتموه (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أى جهرا كائنا كالجهر الجارى فيما بينكم بل اجعلوا صوتكم أخفض من صوته عليه الصلاة والسلام وتعهدوا فى مخاطبته اللين القريب من الهمس كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم وحافظوا على مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها وقيل معنى لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض لا تقولوا له يا محمد يا أحمد وخاطبوه بالنبوة قال ابن عباس رضى الله عنهما لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر يا رسول الله والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله تعالى وعن عمر رضى الله عنه أنه كان يكلمه عليه الصلاة والسلام كأخى السرار لا يسمعه حتى يستفهمه وكان أبو بكر رضى الله عنه إذا قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم الوفود أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقوله تعالى* (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) إما علة للنهى أى لا تجهروا خشية أن تحبط أو كراهة أن تحبط كما فى قوله تعالى (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) أو للمنهى أى لا تجهروا لأجل الحبوط فإن الجهر حيث كان بصدد الأداء إلى الحبوط فكأنه فعل لأجله على طريقة التمثيل كقوله تعالى (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) وليس المراد بما نهى عنه من الرفع والجهر ما يقارنه الاستخفاف والاستهانة فإن ذلك كفر بل ما يتوهم أن يؤدى إليه مما يجرى بينهم فى أثناء المحاورة من الرفع والجهر حسبما يعرب عنه قوله تعالى (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ