إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٤)
____________________________________
لِبَعْضٍ) خلا أن رفع الصوت فوق صوته عليه الصلاة والسلام لما كان منكرا محضا لم يقيد بشىء ولا ما يقع منهما فى حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدو أو نحو ذلك وعن ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فى ثابت بن قيس بن شماس وكان فى أذنه وقر وكان جهورى الصوت وربما كان يكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيتأذى بصوته وعن أنس رضى الله عنه أنه لما نزلت الآية فقد ثابت وتفقده عليه الصلاة والسلام فأخبر بشأنه فدعاه فسأله فقال يا رسول الله لقد أنزلت إليك هذه الآية وإنى رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملى قد حبط فقال له عليه الصلاة والسلام لست هناك إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة وأما ما يروى عن الحسن من أنها نزلت فى بعض المنافقين الذين كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته عليه الصلاة والسلام فقد قيل محمله أن نهيهم مندرج تحت نهى المؤمنين بدلالة النص (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) حال من فاعل تحبط أى والحال أنكم لا تشعرون* بحبوطها وفيه مزيد تحذير مما نهوا عنه وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) الخ ترغيب فى الانتهاء عما نهوا عنه بعد الترهيب عن الإخلال به أى يخفضونها مراعاة للأدب أو خشية من مخالفة النهى (أُولئِكَ) إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة وما فيه من معنى البعد* مع قرب العهد بالمشار إليه لما مر مرارا من تفخيم شأنه وهو مبتدأ خبره (الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) أى جربها للتقوى ومرنها عليها أو عرفها كائنة للتقوى خالصة لها فإن الامتحان سبب المعرفة واللام صلة لمحذوف أو للفعل باعتبار الأصل أو ضرب قلوبهم بضروب المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبريزه من خبثه وعن عمر رضى الله عنه أذهب عنها الشهوات (لَهُمْ) فى الآخرة (مَغْفِرَةٌ) عظيمة لذنوبهم* (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) لا يقادر قدره والجملة إما خبر آخر لأن كالجملة المصدرة باسم الإشارة أو استئناف* لبيان جزائهم إحمادا لحالهم وتعريضا بسوء حال من ليس مثلهم (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) أى من خارجها من خلفها أو قدامها ومن ابتدائية دالة على أن المناداة نشأت من جهة الوراء وأن المنادى داخل الحجرة لوجوب اختلاف المبدأ والمنتهى بحسب الجهة بخلاف ما لو قيل ينادونك وراء الحجرات وقرىء الحجرات بفتح الجيم وبسكونها وثلاثتها جمع حجرة وهى القطعة من الأرض المحجورة بالحائط ولذلك يقال لحظيرة الإبل حجرة وهى فعلة من الحجر بمعنى مفعول كالغرفة والقبضة والمراد بها حجرات أمهات المؤمنين ومناداتهم من ورائها إما بأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه عليه الصلاة والسلام من ورائها أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له عليه الصلاة والسلام فنادوه