(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (١٩)
____________________________________
بإحاطته تعالى بتفاصيل أحواله خبرا من زيادة لطف له فى الكف عن السيئات والرغبة فى الحسنات وعنه عليه الصلاة والسلام أن مقعد ملكيك على ثنيتيك ولسانك قلبهما وريقك مدادهما وأنت تجرى فيما لا يعنيك لا تستحيى من الله ولا منهما وقد جوز أن يكون تلقى الملكين بيانا للقرب على معنى أنا أقرب إليه مطلعون على أعماله لأن حفظتنا وكتبتنا موكلون به (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) أى* عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد أى مقاعد كالجليس بمعنى المجالس لفظا ومعنى فحذف الأول لدلالة الثانى عليه كما فى قول من قال [رمانى بأمر كنت منه ووالدى * بريئا ومن أجل الطوى رمانى] وقيل يطلق الفعيل على الواحد والمتعدد كما فى قوله تعالى (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) ما يرمى به من فيه من خير أو شر وقرىء ما يلفظ على البناء للمفعول (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ) ملك يرقب قوله ويكتبه* فإن كان خيرا فهو صاحب اليمين بعينه وإلا فهو صاحب الشمال ووجه تغيير العنوان غنى عن البيان والإفراد مع وقوفهما معا على ما صدر عنه لما أن كلا منهما رقيب لما فوض إليه لا لما فوض إلى صاحبه كما ينبىء عنه قوله تعالى (عَتِيدٌ) أى معد مهيأ لكتابة ما أمر به من الخير أو الشر ومن لم يتنبه له توهم* أن معناه رقيبان عتيدان وتخصيص القول بالذكر لإثبات الحكم فى الفعل بدلالة النص واختلف فيما يكتبانه فقيل يكتبان كل شىء حتى أنينه فى مرضه وقيل إنما يكتبان ما فيه من أجر أو وزر وهو الأظهر كما ينبىء عنه قوله صلىاللهعليهوسلم كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يساره وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) بعد ما ذكر استبعادهم للبعث والجزاء وأزيح ذلك بتحقيق قدرته تعالى وعلمه وبين أن جميع أعمالهم محفوظة مكتوبة عليهم أتبع ذلك ببيان ما يلاقونه لا محالة من الموت والبعث وما يتفرع عليه من الأحوال والأهوال وقد عبر عن وقوع كل منها بصيغة الماضى إيذانا بتحقيقها وغاية اقترابها وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل والباء إما للتعدية كما فى قولك جاء الرسول بالخبر والمعنى أحضره سكرة الموت حقيقة الأمر الذى نطقت به كتب الله ورسله أو حقيقة الأمر وجلية الحال من سعادة الميت وشقاوته وقيل الحق الذى لا بد أن يكون لا محالة من الموت أو الجزاء فإن الإنسان خلق له وإما للملابسة كالتى فى قوله تعالى (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أى ملتبسة بالحق أى بحقيقة الأمر أو بالحكمة والغاية الجميلة وقرىء سكرة الحق بالموت والمعنى أنها السكرة التى كتبت على الإنسان بموجب الحكمة وأنها لشدتها توجب زهوق الروح أو تستعقبه وقيل الباء بمعنى مع وقيل سكرة الحق سكرة الله تعالى على أن الإضافة للتهويل