(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٦٠)
____________________________________
بقوله تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أشقياؤهما ويعضده قراءة من قرأ وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين وقال مجاهد واختاره البغوى معناه إلا ليعرفوه ومداره قولهصلىاللهعليهوسلم فيما يحكيه عن رب العزة كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف ولعل السر فى التعبير عن المعرفة بالعبادة على طريق إطلاق اسم السبب على المسبب التنبيه على أن المعتبر هى المعرفة الحاصلة بعبادته تعالى ما يحصل بغيرها كمعرفة الفلاسفة (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) بيان لكون شأنه تعالى مع عباده متعاليا عن أن يكون كشأن السادة مع عبيدهم حيث يملكونهم ليستعينوا بهم فى تحصيل معايشهم وتهيئة أرزاقهم أى ما أريد أن أصرفهم فى تحصيل رزقى ولا رزقهم بل أتفضل عليهم برزقهم وبما يصلحهم ويعيشهم من عندى فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتى (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) الذى يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق وفيه تلويح بأنه غنى عنه وقرىء إنى أنا الرزاق (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) * بالرفع على أنه نعت للرزاق أو لذو أو خبر بعد خبر أو خبر لمضمر وقرىء بالجر على أنه وصف للقوة على تأويل الاقتدار أو الأيد (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أى ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد بتكذيب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أو وضعوا مكان التصديق تكذيبا وهم أهل مكة (ذَنُوباً) * أى نصيبا وافرا من العذاب (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) مثل أنصباء نظرائهم من الأمم المحكية وهو مأخوذ* من مقاسمة السقاة الماء بالذنوب وهو الدلو العظيم المملوء (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) أى لا يطلبوا منى أن أعجل* فى المجىء به يقال استعجله أى حثه على العجلة وأمره بها ويقال استعجله أى طلب وقوعه بالعجلة ومنه قوله تعالى (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) وهو جواب لقولهم متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وضع الموصول موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بما فى حيز الصلة من الكفر وإشعارا بعلة الحكم والفاء لترتيب ثبوت الويل لهم على أن لهم عذابا عظيما كما أن الفاء الأولى لترتيب النهى عن الاستعجال على ذلك ومن فى قوله تعالى (مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) للتعليل أى يوعدونه من يوم* بدر وقيل يوم القيامة وهو الأنسب بما فى صدر السورة الكريمة الآتية والأول هو الأوفق لما قبله من حيث أنهما من العذاب الدنيوى. عن النبى صلىاللهعليهوسلم من قرأ والذاريات أعطاه الله تعالى عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت فى الدنيا.