(فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) (١٤)
____________________________________
فى تعداد بعض ما ذكر من الأنباء الموجبة للإزدجار ونوع تفصيل لها وبيان لعدم تأثرهم بها تقريرا لفحوى قوله تعالى (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) أى فعل التكذيب قبل تكذيب قومك قوم نوح وقوله تعالى (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) تفسير لذلك التكذيب المبهم كما فى قوله تعالى (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِ) الخ وفيه مزيد تقرير وتحقيق للتكذيب وقيل معناه كذبوه تكذيبا إثر تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب جاء عقبيه قرن آخر مكذب مثله وقيل كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا لأنه من جملتهم وفى ذكره عليه الصلاة والسلام بعنوان العبودية مع الإضافة إلى نون العظمة تفخيم له عليه الصلاة والسلام ورفع لمحله وزيادة تشنيع لمكذبيه (وَقالُوا مَجْنُونٌ) أى لم يقتصروا على مجرد النكذيب بل نسبوه إلى الجنون* (وَازْدُجِرَ) عطف على قالوا أى وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية وقيل هو من جملة ما قالوه أى هو* مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي) أى بأنى وقرىء بالكسر على إرادة القول (مَغْلُوبٌ) أى من جهة قومى مالى قدرة على الانتقام منهم (فَانْتَصِرْ) أى فانتقم لى منهم وذلك بعد تقرر يأسه منهم* بعد اللتيا والتى فقد روى أن الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا عليه ويقول اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) منصب وهو تمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها وقرىء ففتحنا بالتشديد لكثرة الأبواب (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) أى جعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير قضاء لحق المقام (فَالْتَقَى الْماءُ) أى ماء السماء وماء الأرض* والإفراد لتحقيق أن التقاء الماءين لم يكن بطريق المجاورة والتقارب بل بطريق الاختلاط والاتحاد وقرىء الماءان لاختلاف النوعين والماوان بقلب الهمزة واو (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أى كائنا على حال* قد قدرها الله تعالى من غير تفاوت أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما أنزل على قدر ما أخرج أو على أمر قدره الله تعالى وهو هلاك قوم نوح بالطوفان (وَحَمَلْناهُ) أى نوحا عليهالسلام (عَلى ذاتِ أَلْواحٍ) أى أخشاب عريضة (وَدُسُرٍ) ومسامير جمع دسار من الدسر وهو الدفع وهى صفة للسفينة* أقيمت مقامها من حيث أنها كالشرح لها تؤدى مؤداها (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) بمر أى منا أى محفوظة بحفظنا