(وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (١٩)
____________________________________
* (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) أى فعلنا ذلك جزاء لنوح عليهالسلام لأنه كان نعمة كفروها فإن كل نبى نعمة من الله تعالى على أمته ورحمة وأى نعمة وأى رحمة وقد جوز أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل إلى الضمير واستتاره فى الفعل بعد انقلابه مرفوعا وقرىء لمن كفر أى للكافرين (وَلَقَدْ تَرَكْناها) * أى السفينة أو الفعلة (آيَةً) يعتبر بها من يقف على خبرها وقال قتادة أبقاها الله تعالى بأرض الجزيرة* وقيل على الجودى دهرا طويلا حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أى معتبر بتلك الآية الحقيقة بالاعتبار وقرىء مذتكر على الأصل ومذكر بقلب التاء ذالا والإدغام فيها (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) استفهام تعظيم وتعجيب أى كانا على كيفية هائلة لا يحيط بها الوصف والنذر جمع نذير بمعنى الإنذار (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ) الخ جملة قسمية وردت فى أواخر القصص الأربع تقريرا لمضمون ما سبق من قوله تعالى (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) وتنبيها على أن كل قصة منها مستقلة بإيجاب الادكار كافية فى الازدجار ومع ذلك لم تقع واحدة فى حيز الاعتبار أى وبالله ولقد سهلنا القرآن لقومك بأن أنزلناه على لغتهم وشحناه بأنواع المواعظ والعبر وصرفنا فيه* من الوعيد والوعد (لِلذِّكْرِ) أى للتذكر والاتعاظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) إنكار ونفى للمتعظ على أبلغ وجه وآكده حيث يدل على أنه لا يقدر أحد أن يجيب المستفهم بنعم وحمل تيسيره على تسهيل حفظه بجزالة نظمه وعذوبة ألفاظه وعباراته مما لا يساعده المقام (كَذَّبَتْ عادٌ) أى هودا عليهالسلام ولم يتعرض لكيفية تكذيبهم له روما للاختصار ومسارعة إلى بيان ما فيه الازدجار من العذاب وقوله* تعالى (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) لتوجيه قلوب السامعين نحو الإصغاء إلى ما يلقى إليهم قبل ذكره لا لتهويله وتعظيمه وتعجيبهم من حاله بعد بيانه كما قبله وما بعده كأنه قيل كذبت عاد فهل سمعتم أو فاسمعوا كيف كان عذابى وإنذاراتى لهم وقوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) استئناف ببيان* ما أجمل أولا أى أرسلنا عليهم ريحا باردة أو شديدة الصوت (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) شؤم (مُسْتَمِرٍّ) أى شؤمه أو مستمر عليهم إلى أن أهلكهم أو شامل لجميعهم كبيرهم وصغيرهم أو مشتد مرارته وكان يوم الأربعاء آخر الشهر.