(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩)
____________________________________
من الأمور فهل تطمعون أن لا يصيبكم مثل ذلك وأنتم شر منهم مكانا وأسوأ حالا وقوله تعالى* (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) إضراب وانتقال من التبكيت بوجه آخر أى بل ألكم براءة وأمن من تبعات ما تعملون من الكفر والمعاصى وغوائلهما فى الكتب السماوية فلذلك تصرون على ما أنتم عليه وقوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) إضراب من التبكيت والالتفات للإيذان باقتضاء حالهم للإعراض عنهم وإسقاطهم عن رتبة الخطاب وحكاية قبائحهم لغيرهم أى بل أيقولون واثقين بشوكتهم نحن أو لو حزم ورأى أمرنا مجتمع لا نرام ولا نضام أو منتصر من الأعداء لا نغلب أو متناصر ينصر بعضنا بعضا والإفراد باعتبار لفظ الجميع وقوله تعالى (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) رد وإبطال لذلك والسين للتأكيد* أى يهزم جمعهم البتة (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) أى الأدبار وقد قرىء كذلك والتوحيد لإرادة الجنس أو إرادة أن كل واحد منهم يولى دبره وقد كان كذلك يوم بدر قال سعيد بن المسيب سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر كنت لا أدرى أى جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يلبس الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر فعرفت تأويلها وقرىء سيهزم الجمع أى الله عز وعلا (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) أى ليس هذا تمام عقوبتهم بل الساعة موعد* أصل عذابهم وهذا من طلائعه (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) أى فى أقصى غاية من الفظاعة والمرارة والداهية الأمر الفظيع الذى لا يهتدى إلى الخلاص عنه وإظهار الساعة فى موقع إضمارها لتربية تهويلها (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) من الأولين والآخرين (فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) أى فى هلاك ونيران مسعرة وقيل فى ضلال عن الحق فى الدنيا ونيران فى الآخرة وقوله تعالى (يَوْمَ يُسْحَبُونَ) الخ منصوب إما بما يفهم من قوله* تعالى (فِي ضَلالٍ) أى كائنون فى ضلال وسعر يوم يجرون (فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) وإما يقول مقدر* بعده أى يوم يسحبون يقال لهم (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) أى قاسوا حرها وألمها وسقر علم جهنم ولذلك لم يصرف من سقرته النار وصقرته إذا لوحته والقول المقدر على الوجه الأول حال من ضمير يسحبون (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ) من الأشياء (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) أى ملتبسا بقدر معين اقتضته الحكمة التى عليها يدور