(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٥٣)
____________________________________
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ) أى عن الشكر (وَنَأى بِجانِبِهِ) أى ذهب بنفسه وتباعد بكليته تكبرا وتعظما والجانب مجاز عن النفس كما فى قوله تعالى (فِي جَنْبِ اللهِ) ويجوز أن يراد به عطفه ويكون عبارة عن الانحراف والازورار كما قالوا ثنى عطفه وتولى بركنه (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) أى كثير مستعار* مما له عرض متسع للإشعار بكثرته واستمراره وهو أبلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله ولعل هذا شأن بعض غير البعض الذى حكى عنه اليأس والقنوط أو شأن الكل فى بعض الأوقات (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أى أخبرونى (إِنْ كانَ) أى القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) مع تعاضد موجبات الإيمان به (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أى من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم (سَنُرِيهِمْ آياتِنا) الدالة على حقيته وكونه من عند الله (فِي الْآفاقِ) هو ما أخبرهم به النبى صلىاللهعليهوسلم من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية وما يسر الله تعالى له ولخلفائه من الفتوح والظهور على آفاق الدنيا والاستيلاء على بلاد المشارق والمغارب على وجه خارق للعادة (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) هو ما ظهر فيما بين أهل مكة وما حل بهم وقال ابن عباس رضى الله* عنهما فى الآفاق أى منازل الأمم الخالية وآثارهم وفى أنفسهم يوم بدر وقال مجاهد والحسن والسدى فى الآفاق ما يفتح الله من القرى عليه عليه الصلاة والسلام والمسلمين وفى أنفسهم فتح مكة وقيل فى الآفاق أى فى أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم وما يترتب عليها من الليل والنهار والأضواء والظلال والظلمات ومن النبات والأشجار والأنهار وفى أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة فى تكوين الأجنة فى ظلمات الأرحام وحدوث الأعضاء العجيبة والتركيبات الغريبة كقوله تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) واعتذر بأن معنى السين مع أن إراءة تلك الآيات قد حصلت قبل ذلك أنه تعالى سيطلعهم على تلك الآيات زمانا فزمانا ويزيدهم وقوفا على حقائقها يوما فيوما (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ) بذلك (أَنَّهُ الْحَقُّ) أى القرآن أو الإسلام والتوحيد (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ) استئناف وارد لتوبيخهم على ترددهم فى شأن القرآن وعنادهم المحوج إلى إراءة الآيات وعدم اكتفائهم بإخباره تعالى والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى ألم يغن ولم يكف ربك والباء مزيدة للتأكيد ولا تكاد تزاد إلا مع كفى وقوله تعالى (أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بدل منه أى ألم يغنهم عن* إراءة الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن ولم يكفهم فى ذلك أنه تعالى شهيد على جميع الأشياء وقد أخبر بأنه من عنده وقيل معناه إن هذا الموعود من إظهار آيات الله فى الآفاق وفى أنفسهم سيرونه