(نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤) فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (٧٧)
____________________________________
وقوله تعالى (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) استئناف مبين لمنافعها أى جعلناها تذكيرا لنار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعاش لينظروا إليها ويذكروا ما أعدوا به من نار جهنم أو تذكرة وأنموذجا من نار جهنم لما روى عن النبى عليه الصلاة والسلام ناركم هذه التى يوقدها بنو آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم وقيل تبصرة فى أمر البعث فإنه ليس بأبدع من إخراج النار من الشىء الرطب (وَمَتاعاً) * ومنفعة (لِلْمُقْوِينَ) للذين ينزلون القواء وهى القفر وتخصيصهم بذلك لأنهم أحوج إليها فإن المقيمين* أو النازلين بقرب منهم ليسوا بمضطرين إلى الاقتداح بالزناد وقد جوز أن يراد بالمقوين الذين خلت بطونهم ومزاودهم من الطعام وهو بعيد لعدم انحصار ما يهمهم ويسد خللهم فيما لا يؤكل إلا بالطبخ وتأخير هذه المنفعة للتنبيه على أن الأهم هو النفع الأخروى والفاء فى قوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) لترتيب ما بعدها على ما عدد من بدائع صنعه تعالى وروائع نعمه الموجبة لتسبيحه تعالى إما تنزيها له تعالى عما يقوله الجاحدون بوحدانيته الكافرون بنعمته مع عظمها وكثرتها أو تعجبا من أمرهم فى غمط تلك النعم الباهرة مع جلالة قدرها وظهور أمرها أو شكرا على تلك النعم السابقة أى فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى أو بذكره فإن إطلاق الاسم للشىء ذكر له والعظيم صفة للاسم أو الرب (فَلا أُقْسِمُ) أى فأقسم ولا مزيدة للتأكيد كما فى قوله تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ) أو فلأنا أقسم فحذف المبتدأ وأشبع فتحة لام الابتداء ويعضده قراءة من قرأ فلأقسم أو فلا رد لكلام يخالف المقسم عليه وأما ما قيل من أن المعنى فلا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم فيأباه تعيين المقسم به وتفخيم شأن القسم به (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) أى بمساقطها وهى مغاربها وتخصيصها بالقسم لما فى غروبها من زوال* أثرها والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير أو لأن ذلك وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان عليهم أو بمنازلها ومجاريها فإن له تعالى فى ذلك من الدليل على عظم قدرته وكمال حكمته ما لا يحيط به البيان وقيل النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها وقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) اعتراض فى اعتراض قصد به المبالغة فى تحقيق مضمون الجملة القسمية وتأكيده حيث اعترض بقوله (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ) بين القسم وجوابه الذى هو قوله تعالى (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)