(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (١١)
____________________________________
الإنفاق المأمور به بعد توبيخهم على ترك الإيمان بإنكار أن يكون لهم فى ذلك أيضا عذر من الأعذار وحذف المفعول لظهور أنه الذى بين حاله فيما سبق وتعيين المنفق فيه لتشديد التوبيخ أى وأى شىء لكم فى أن لا تنفقوا فيما هو قربة إلى الله تعالى ما هو فى الحقيقة وإنما أنتم خلفاؤه فى صرفه إلى ما عينه* من المصارف وقوله تعالى (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) حال من فاعل لا تنفقوا ومفعوله مؤكدة للتوبيخ فإن ترك الإنفاق بغير سبب قبيح منكر ومع تحقق ما يوجب الإنفاق أشد فى القبح وأدخل فى الإنكار فإن بيان بقاء جميع ما فى السموات والأرض من الأموال بالآخرة لله عزوجل من غير أن يبقى من أصحابها أحد أقوى فى إيجاب الإنفاق عليهم من بيان أنها لله تعالى فى الحقيقة وهم خلفاؤه فى التصرف فيها كأنه قيل وما لكم فى ترك إنفاقها فى سبيل الله والحال أنه لا يبقى لكم منها شىء بل* يبقى كلها لله تعالى وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لزيادة التقرير وتربية المهابة وقوله تعالى (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) بيان لتفاوت درجات المنفقين حسب تفاوت أحوالهم فى الإنفاق بعد بيان أن لهم أجرا كبيرا على الإطلاق حثا لهم على تحرى الأفضل وعطف القتال على الإنفاق للإيذان بأنه من أهم مواد الإنفاق مع كونه فى نفسه من أفضل العبادات وأنه لا يخلو من الإنفاق أصلا* وقسيم من أنفق محذوف لظهوره ودلالة ما بعده عليه وقرىء قبل الفتح بغير من والفتح فتح مكة (أُولئِكَ) إشارة إلى من أنفق والجمع بالنظر إلى معنى من كما أن إفراد الضميرين السابقين بالنظر إلى لفظها وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار ببعد منزلتهم وعلو طبقتهم فى الفضل ومحله الرفع* على الابتداء أى أولئك المنعوتون بذينك النعتين الجميلين (أَعْظَمُ دَرَجَةً) وأرفع منزلة (مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) لأنهم إنما فعلوا ما فعلوا من الإنفاق والقتال قبل عزة الإسلام وقوة أهله عند كمال الحاجة إلى النصرة بالنفس والمال وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قال فيهم النبى صلىاللهعليهوسلم لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وهؤلاء فعلوا* ما فعلوا بعد ظهور الدين ودخول الناس فيه أفواجا وقلة الحاجة إلى الإنفاق والقتال (وَكُلًّا) أى وكل* واحد من الفريقين (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) أى المثوبة الحسنى وهى الجنة لا الأولين فقط وقرىء وكل* بالرفع على الابتداء أى وكل وعده الله تعالى (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) بظواهره وبواطنه فيجازيكم بحسبه وقيل نزلت الآية فى أبى بكر رضى الله تعالى عنه فإنه أول من آمن وأول من أنفق فى سبيل الله وخاصم الكفار حتى ضرب ضربا أشرف به على الهلاك وقوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ندب بليغ من الله تعالى إلى الإنفاق فى سبيله بعد الأمر به والتوبيخ على تركه وبيان درجات المنفقين أى من ذا الذى ينفق ماله فى سبيله تعالى رجاء أن يعوضه فإنه كمن يقرضه وحسن الإنفاق* بالإخلاص فيه وتحرى أكرم المال وأفضل الجهات (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) بالنصب على جواب الاستفهام* باعتبار المعنى كأنه قيل أيقرض الله أحد فيضاعفه له أى فيعطيه أجره أضعافا (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) أى