(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) (٢)
____________________________________
نعته فى التوراة لا ترد له راية فلما كان يوم أحد ما كان ارتابوا ونكثوا فخرج كعب بن الأشرف فى أربعين راكبا إلى مكة فحالفوا قريشا إلى الكعبة على قتاله عليه الصلاة والسلام فأمر عليه الصلاة والسلام محمد بن مسلمة الأنصارى فقتل كعبا غيلة وكان أخاه من الرضاعة ثم صبحهم بالكتاب فقال لهم اخرجوا من المدينة فاستمهلوه عليه الصلاة والسلام عشرة أيام ليتجهزوا للخروج فدس عبد الله بن أبى المنافق وأصحابه إليهم لا تخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ولئن خرجتم لنخرجن معكم فدربوا على الأزقة وحصنوها فحاصرهم النبى عليه الصلاة والسلام إحدى وعشرين ليلة فلما قذف الله فى قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم إلا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤا من متاعهم فجلوا إلى الشأم إلى أريحا وأذرعات إلا أهل بيتين منهم آل أبى الحقيق وآل حيى بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة منهم بالحيرة فأنزل الله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) ـ إلى قوله ـ (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ) بيان لبعض آثار عزته تعالى وأحكام حكمته إثر وصفه تعالى بالعزة القاهرة والحكمة الباهرة على الإطلاق والضمير راجع إليه تعالى بذلك العنوان إما بناء على كمال ظهور اتصافه تعالى بهما مع مساعدة تامة من المقام أو على جعله مستعارا لاسم الإشارة كما فى قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) أى بذلك وعليه قول رؤبة بن العجاج [كأنه فى الجلد توليع البهق] كما هو المشهور كأنه قيل ذلك المنعوت بالعزة والحكمة الذى أخرج الخ ففيه إشعار بأن فى الإخراج حكمة باهرة وقوله تعالى (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) أى فى أول حشرهم إلى الشأم* وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط وهم أول من أخرج من جزيرة العرب إلى الشام أو هذا أول حشرهم وآخر حشرهم إجلاء عمر رضى الله عنه إياهم من خيبر إلى الشام وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لأن المحشر يكون بالشام (ما ظَنَنْتُمْ) أيها المسلمون (أَنْ يَخْرُجُوا) من ديارهم بهذا الذل والهوان* لشدة بأسهم وقوة منعهتم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) أى ظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ما نعتهم* من بأس الله تعالى وتغيير النظم بتقديم الخبر وإسناد الجملة إلى ضميرهم للدلالة على كمال وثوقهم بحصانة حصونهم واعتقادهم فى أنفسهم أنهم فى عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع فى معازتهم ويجوز أن يكون ما نعتهم خبرا لأن وحصونهم مرتفعا على الفاعلية (فَأَتاهُمُ اللهُ) أى أمر الله تعالى* وقدره المقدور لهم (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف فإنه*