(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) (٥)
____________________________________
مما أضعف قوتهم وفل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة وقيل الضمير فى أتاهم ولم يحتسبوا* للمؤمنين أى فأتاهم نصر الله وقرىء فآتاهم أى فآتاهم الله العذاب أو النصر (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) * أى أثبت فيها الخوف الذى يرعبها أى يملؤها (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة أفواه الأزقة ولئلا يبقى بعد جلائهم مساكن للمسلمين ولينقلوا معهم بعض آلاتها* المرغوب فيها مما يقبل النقل (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) حيث كانوا يخربونها إزالة لمتحصنهم ومتمنعهم وتوسعا لمجال القتال ونكاية لهم وإسناد هذا إليهم لما أنهم السبب فيه فكأنهم كلفوهم إياه وأمروهم به قيل الجملة حال أو تفسير للرعب وقرىء يخربون بالتشديد للتكثير وقيل الإخراب التعطيل أو ترك الشىء* خرابا والتخريب النقض والهدم (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) فاتعظوا بما جرى عليهم من الأمور الهائلة على وجه لا يكاد يهتدى إليه الأفكار واتقوا مباشرة ما أداهم إليه من الكفر والمعاصى أو انتقلوا من حال الفريقين إلى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الأسباب بل توكلوا على الله عزوجل وقد استدل به على حجية القياس كما فصل فى موقعه (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) أى الخروج عن* أوطانهم على ذلك الوجه الفظيع (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالقتل والسبى كما فعل ببنى قريظة (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) استئناف غير متعلق بجواب لو لا جىء به لبيان أنهم إن نجوا من عذاب الدنيا بكتابة الجلاء لا نجاة لهم من عذاب الآخرة (ذلِكَ) أى ما حاق بهم وما سيحيق (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) وفعلوا ما فعلوا مما حكى عنهم من القبائح (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) وقرىء يشاقق الله كما فى الأنفال والاقتصار على ذكر مشاقته تعالى لتضمنها لمشاقته عليه الصلاة والسلام وليوافق قوله تعالى* (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) وهو إما نفس الجزاء قد حذف منه العائد إلى من عند من يلتزمه أى شديد العقاب له أو تعليل للجزاء المحذوف أى يعاقبه الله فإن الله شديد العقاب وأيا ما كان فالشرطية تكملة لما قبلها وتقرير لمضمونه وتحقيق للسببية بالطريق البرهانى كأنه قيل ذلك الذى حاق بهم من العقاب العاجل والآجل بسبب مشاقتهم لله تعالى ورسوله وكل من يشاق الله كائنا من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد فإذن لهم عقاب شديد (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) أى أى شىء قطعتم من نخلة وهى فعلة من اللون وياؤها مقلوبة من واو لكسرة ما قبلها كديمة وتجمع على ألوان وقيل من اللين وتجمع على لين وهى النخلة* الكريمة (أَوْ تَرَكْتُمُوها) الضمير لما وتأنيثه لتفسيره باللينة كما فى قوله تعالى (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) (قائِمَةً عَلى أُصُولِها) كما كانت من غير أن تتعرضوا لها بشىء ما وقرىء على أصلها