(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٠)
____________________________________
لمدح الأنصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفىء بهم أحسن رضا وأكمله ومعنى تبوئهم الدار أنهم اتخذوا المدينة والإيمان مباءة وتمكنوا فيهما أشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان وقيل ضمن التبوؤ معنى اللزوم وقيل تبوؤا الدار وأخلصوا الإيمان كقول من قال [علفتها تبنا وماء باردا] وقيل المعنى تبوؤا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف إليه من الأول وعوض منه اللام وقيل سمى المدينة بالإيمان لكونها مظهره ومنشأه (مِنْ قَبْلِهِمْ) أى من قبل هجرة المهاجرين* على المعانى الأول ومن قبل تبوؤ المهاجرين على الأخيرين ويجوز أن يجعل اتخاذ الإيمان مباءة ولزومه وإخلاصه على المعانى الأول عبارة عن إقامة كافة حقوقه التى من جملتها إظهار عامة شعائره وأحكامه ولا ريب فى تقدم الأنصار فى ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن إظهار بعضها لا عن إخلاصه قلبا واعتقادا إذ لا يتصور تقدمهم عليهم فى ذلك (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) خبر للموصول أى يحبونهم من* حيث مهاجرتهم إليهم لمحبتهم الإيمان (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ) أى فى نفوسهم (حاجَةً) أى شيئا* محتاجا إليه يقال خذ منه حاجتك أى ما تحتاج إليه وقيل إثر حاجة كالطلب والحرازة والحسد والغيظ (مِمَّا أُوتُوا) أى مما أوتى المهاجرون من الفىء وغيره (وَيُؤْثِرُونَ) أى يقدمون المهاجرين (عَلى أَنْفُسِهِمْ) * فى كل شىء من أسباب المعاش حتى أن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما ويزوجها واحدا منهم (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) أى حاجة وخلة وأصلها خصاص البيت وهى فرجه والجملة فى حيز الحال وقد* عرفت وجهه مرارا وكان النبى عليه الصلاة والسلام قسم أموال بنى النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحرث بن الصمة وقال لهم إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم فى هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شىء من الغنيمة فقالت الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وهذا صريح فى أن قوله تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا) الخ مستأنف غير معطوف على الفقراء أو المهاجرين نعم يجوز عطفه على أولئك فإن ذلك إنما يستدعى شركة الأنصار للمهاجرين فى الصدق دون الفىء فيكون قوله تعالى (يُحِبُّونَ) وما عطف عليه استئنافا مقررا لصدقهم أو حالا من ضمير تبوؤا (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) الشح بالضم والكسر وقد قرىء به أيضا اللؤم وإضافته إلى النفس* لأنه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذى هو البخل أى ومن يوق بتوفيق الله تعالى شحها حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق (فَأُولئِكَ) إشارة إلى من باعتبار معناها العام* المنتظم للمذكورين انتظاما أوليا (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بكل مطلوب الناجون عن كل مكروه والجملة* اعتراض وارد لمدح الأنصار والثناء عليهم وقرىء يوق بالتشديد (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) هم الذين