(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٨)
____________________________________
به أى أوحيناه إليك وهو قرآن عربى بين (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) أى أهلها وهى مكة (وَمَنْ حَوْلَها) من* العرب (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) أى يوم القيامة لأنه يجمع فيه الخلائق قال تعالى (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) وقيل تجمع فيه الأرواح والأشباح وقيل الأعمال والعمال والإنذار يتعدى إلى مفعولين وقد يستعمل ثانيهما بالباء وقد حذف ههنا ثانى مفعولى الأول وأول مفعولى الثانى للتهويل وإيهام التعميم وقرىء لينذر بالياء على أن فاعله ضمير القرآن (لا رَيْبَ فِيهِ) اعتراض مقرر لما قبله (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) أى بعد جمعهم فى الموقف فإنهم يجمعون فيه أولا ثم يفرقون بعد الحساب والتقدير منهم فريق والضمير للمجموعين لدلالة الجمع عليه وقرئا منصوبين على الحالية منهم أى وتنذر يوم جمعهم متفرقين أى مشارفين للتفرق أو متفرقين فى دارى الثواب والعقاب (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ) أى فى الدنيا (أُمَّةً واحِدَةً) قيل مهتدين أو ضالين وهو تفصيل لما أجمله ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله على دين واحد فمعنى قوله تعالى (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أنه تعالى يدخل فى رحمته من يشاء* أن يدخله فيها ويدخل فى عذابه من يشاء أن يدخله فيه ولا ريب فى أن مشيئته تعالى لكل من الإدخالين تابعة لاستحقاق كل من الفريقين لدخول مدخله ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب اختلاف حال الداخلين فيهما قطعا فلم يشأ جعل الكل أمة واحدة بل جعلهم فريقين وإنما قيل (وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) للإيذان بأن الإدخال فى العذاب من جهة الداخلين بموجب سوء اختيارهم لا من جهته تعالى كما فى الإدخال فى الرحمة لا لما قيل من المبالغة فى الوعيد وقيل مؤمنين كلهم وهو ما فاله مقاتل على دين الإسلام كما فى قوله تعالى (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) وقوله تعالى (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) والمعنى ولو شاء الله مشيئة قدرة لقسرهم على الإيمان ولكنه شاء مشيئة حكمة وكلفهم وبنى أمرهم على ما يختارون ليدخل المؤمنين فى رحمته وهم المرادون بقوله تعالى (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ) وترك الظالمين بغير ولى ولا نصير وأنت خبير بأن فرض جعل الكل مؤمنين يأباه تصدير الاستدراك بإدخال بعضهم فى رحمته إذ الكل حينئذ داخلون فيها فكان المناسب حينئذ تصديره بإخراج بعضهم من بينهم وإدخالهم فى عذابه فالذى يقتضيه سياق النظم الكريم وسباقه أن يراد الاتحاد فى الكفر كما فى قوله تعالى (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) الآية على أحد الوجهين بأن يراد بهم الذين هم فى فترة إدريس أو فى فترة نوح عليهماالسلام فالمعنى ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة متفقة على الكفر بأن لا يرسل إليهم رسولا لينذرهم ما ذكر من يوم الجمع وما فيه من ألوان الأهوال فيبقوا على ما هم عليه من الكفر ولكن يدخل من يشاء فى رحمته أى شأنه ذلك فيرسل إلى الكل من ينذرهم ما ذكر فيتأثر بعضهم بالإنذار فيصرفون اختيارهم إلى الحق فيوفقهم الله للإيمان والطاعة ويدخلهم فى رحمته ولا يتأثر به الآخرون ويتمادون فى غيهم وهم الظالمون فيبقون فى الدنيا