(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٥)
____________________________________
ظرف لخبر كان (لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) جمع برىء كظريف وظرفاء وقرىء براء كظراف وبراء* كرخال وبراء على الوصف بالمصدر مبالغة (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (كَفَرْنا بِكُمْ) أى* بدينكم أو بمعبودكم أو بكم وبه فلا نعتد بشأنكم وبآلهتكم (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) أى هذا* دأبنا معكم لا نتركه (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة حينئذ* ولاية والبغضاء محبة (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) استثناء من قوله تعالى (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فإن* استغفاره عليه الصلاة والسلام لأبيه الكافر وإن كان جائزا عقلا وشرعا لوقوعه قبل تبين أنه من أصحاب الجحيم كما نطق به النص لكنه ليس مما ينبغى أن يؤتسى به أصلا إذ المراد به ما يجب الائتساء به حتما لورود الوعيد على الإعراض عنه بما سيأتى من قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاستثناؤه من الأسوة إنما يفيد عدم وجوب استدعاء الإيمان والمغفرة للكافر المرجو إيمانه وذلك مما لا يرتاب فيه عاقل وأما عدم جوازه فلا دلالة للاستثناء عليه قطعا هذا وأما تعليل عدم كون استغفاره عليه الصلاة والسلام لأبيه الكافر مما ينبغى أن يؤتسى به بأنه كان قبل النهى أو لموعدة وعدها إياه فبمعزل من السداد بالكلية لابتنائه على تناول النهى لاستغفاره عليه الصلاة والسلام له وإنبائه عن كونه مؤتسى به لو لم ينه عنه وكلاهما بين البطلان لما أن مورد النهى هو الاستغفار للكافر بعد تبين أمره وقد عرفت أن استغفاره عليه الصلاة والسلام لأبيه كان قبل ذلك قطعا وأن ما يؤتسى به ما يجب الائتساء به لا ما يجوز فعله فى الجملة وتجويز أن يكون استغفاره عليه الصلاة والسلام له بعد النهى كما هو المفهوم من ظاهر قوله أو لموعدة وعدها إياه مما لا مساغ له وتوجيه الاستثناء إلى العدة بالاستغفار لا إلى نفس الاستغفار بقوله (وَاغْفِرْ لِأَبِي) الآية لأنها كانت هى الحاملة له عليه الصلاة والسلام على الاستغفار وتخصيض هذه العدة بالذكر دون ما وقع فى سورة مريم من قوله تعالى (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) لورودها على طريق التوكيد القسمى وأما جعل الاستغفار دائرا عليها وترتيب التبرؤ على تبين الأمر فقد مر تحقيقه فى سورة التوبة وقوله تعالى (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) من تمام القول المستثنى محله النصب على أنه* حال من فاعل لأستغفرن لك أى أستغفر لك وليس فى طاقتى إلا الاستغفار فمورد الاستثناء نفس الاستغفار لا قيده الذى هو فى نفسه من خصال الخير لكونه إظهارا للعجز وتفويضا للأمر إلى الله تعالى وقوله تعالى (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) الخ من تمام ما نقل عن إبراهيم عليه* السلام ومن معه من الأسوة الحسنة وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والإنابة والمصير على الله تعالى قالوه بعد المجاهرة وقشر العصا التجاء إلى الله تعالى فى جميع أمورهم لا سيما فى مدافعة الكفرة وكفاية شرورهم كما ينطق به قوله تعالى (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نطيقه (وَاغْفِرْ لَنا) ما فرط منا من العذاب (رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الغالب الذى لا يذل*