(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩)
____________________________________
* من التجأ إليه ولا يخيب رجاء من توكل عليه (الْحَكِيمُ) الذى لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة وتكرير النداء للمبالغة فى التضرع والجؤار هذا وأما جعل الآيتين تلقينا للمؤمنين من جهته تعالى وأمرا لهم بأن يتوكلوا عليه وينيبوا إليه ويستعيذوا به من فتنة الكفرة ويستغفروا مما فرط منهم تكملة لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفرة فلا يساعده النظم الكريم (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) أى فى* إبراهيم ومن معه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) تكرير للمبالغة فى الحث على الائتساء به عليه الصلاة والسلام ولذلك* صدر بالقسم وقوله تعالى (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) بدل من لكم فائدته الإيذان بأن من يؤمن بالله واليوم الآخر لا يترك الاقتداء بهم وأن تركه من مخايل عدم الإيمان بهما كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فإنه مما يوعد بأمثاله الكفرة (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ) أى من أقاربكم المشركين (مَوَدَّةً) بأن يوافقوكم فى الدين وعدهم الله تعالى بذلك لما رأى منهم من التصلب فى الدين والتشدد لله فى معاداة آبائهم وأبنائهم وسائر أقربائهم ومقاطعتهم إياهم بالكلية تطييبا لقلوبهم ولقد أنجز وعده الكريم حين أتاح لهم الفتح فأسلم قومهم فتم بينهم من* التحاب والتصافى ما تم (وَاللهُ قَدِيرٌ) أى مبالغ فى القدرة فيقدر على تقليب القلوب وتغيير الأحوال* وتسهيل أسباب المودة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيغفر لمن أسلم من المشركين ويرحمهم وقيل غفور لما فرط منكم فى موالاتهم من قبل ولما بقى فى قلوبكم من ميل الرحم (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أى لا ينهاكم عن البر بهؤلاء فإن قوله تعالى (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) بدل من* الموصول (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أى تفضوا إليهم بالقسط أى العدل (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أى العادلين. روى أن قتيلة بنت عبد العزى قدمت مشركة على بنتها أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنه بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن إليها وقيل المراد بهم خزاعة وكانوا صالحوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) وهم عتاة أهل مكة