(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (١٣)
____________________________________
فيما ذكر من التدبير فإن جعل الناس والأنعام ازواجا يكون بينهم توالد كالمنبع للبث والتكثير (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أى ليس مثله شىء فى شأن من الشئون التى من جملتها هذا التدبير البديع والمراد من مثله ذاته كما فى قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة فى نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه أولى ثم سلكت هذه الطريقة فى شأن من لا مثل له وقيل مثله صفته أى ليس كصفته صفة (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) المبالغ فى العلم بكل ما يسمع ويبصر (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى خزائنهما (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يوسع ويضيق حسبما تقتضيه مشيئته المؤسسة على الحكم البالغة (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) مبالغ فى الإحاطة به فيفعل كل ما يفعل على ما ينبغى أن يفعل عليه والجملة تعليل لما قبلها وتمهيد لما بعدها من قوله تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) وإيذان بأن ما شرع لهم صادر عن كمال العلم والحكمة كما أن بيان نسبته إلى المذكورين عليهم الصلاة والسلام تنببه على كونه دينا قديما أجمع عليه الرسل والخطاب لأمته عليه الصلاة والسلام أى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ومن بعده من أرباب الشرائع وأولى العزائم من مشاهير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمرهم به أمرا مؤكدا على أن تخصيصهم بالذكر لما ذكر من علو شأنهم ولاستمالة قلوب الكفرة إليه لاتفاق الكل على نبوة بعضهم وتفرد اليهود فى شأن موسى عليهالسلام وتفرد النصارى فى حق عيسى عليهالسلام وإلا فما من نبى إلا وهو مأمور بما أمروا به وهو عبارة عن التوحيد ودين الإسلام وما لا يختلف باختلاف الأمم وتبدل الأعصار من أصول الشرائع والأحكام كما ينبىء عنه التوصية فإنها معربة عن تأكيد الأمر والاعتناء بشأن المأمور به والمراد بإيحائه إليه عليه الصلاة والسلام إما ما ذكر فى صدر السورة الكريمة وفى قوله تعالى (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا) الآية أو ما يعمهما وغيرهما مما وقع فى سائر المواقع التى من جملتها قوله تعالى (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) وقوله تعالى (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وغير ذلك والتعبير عن ذلك عند نسبته إليه عليه الصلاة والسلام بالذى لزيادة تفخيم شأنه من تلك الحيثية وإيثار الإيحاء على ما قبله وما بعده من التوصية لمراعاة ما وقع فى الآيات المذكورة ولما فى الإيحاء من التصريح برسالته عليه الصلاة والسلام القامع لإنكار الكفرة والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال الاعتناء بإيحائه وهو السر فى تقديمه على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا وتقديم