(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (٣)
____________________________________
قوله تعالى (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) فإنه استئناف مسوق لتعليل مضمون الشرطية* وقد قالوا إن الأمر الذى يحدثه الله تعالى أن يقلب قلبه عما فعله بالتعدى إلى خلافه فلا بد أن يكون الظلم عبارة عن ضرر دنيوى يلحقه بسبب تعديه ولا يمكن تداركه أو عن مطلق الضرر الشامل للدنيوى والأخروى ويخص التعليل بالدنيوى لكون احتراز الناس منه أشد واهتمامهم بدفعه أقوى وقوله تعالى (لا تَدْرِي) خطاب للمتعدى بطريق الالتفات لمزيد الاهتمام بالزجر عن التعدى لا للنبى عليه الصلاة والسلام كما توهم فالمعنى ومن يتعد حدود الله فقد أضر بنفسه فإنك لا تدرى أيها المتعدى عاقبة الأمر لعل الله يحدث فى قلبك بعد ذلك الذى فعلت من التعدى أمرا يقتضى خلاف ما فعلته فيبدل ببغضها محبة وبالإعراض عنها إقبالا إليها ويتسنى تلافيه رجعة أو استئناف نكاح (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) شارفن آخر عدتهن (فَأَمْسِكُوهُنَّ) فراجعوهن (بِمَعْرُوفٍ) بحسن معاشرة وإنفاق لائق (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) * بإيفاء الحق واتقاء الضرار بأن يراجعها ثم يطلقها تطويلا للعدة (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) عند الرجعة* والفرقة قطعا للتنازع وهذا أمر ندب كما فى قوله تعالى (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) ويروى عن الشافعى أنه للوجوب فى الرجعة (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) أيها الشهود عند الحاجة خالصا لوجهه تعالى (ذلِكُمْ) إشارة* إلى الحث على الإشهاد والإقامة أو على جميع ما فى الآية (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) * إذ هو المنتفع به والمقصود تذكيره وقوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) الخ جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق* من وجوب مراعاة حدود الله تعالى بالوعد على الاتقاء عن تعديها كما أن ما تقدم من قوله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) مؤكد له بالوعيد على تعديها فالمعنى ومن يتق الله فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فى الإشهاد وغيره من الأمور (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) مما عسى يقع* فى شأن الأزواج من الغموم والوقوع فى المضايق ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) أى من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه ويجوز أن يكون كلاما جىء به على نهج الاستطراد عند ذكر قوله تعالى (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ) إلى آخره فالمعنى ومن يتق الله فى كل ما يأتى وما يذر يجعل له مخرجا ومخلصا من غموم الدنيا والآخرة فيندرج فيه ما نحن فيه اندراجا أوليا عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قرأها فقال مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد