(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥٣)
____________________________________
* أو لم تسمعوا ربكم يقول فتلت هذه الآية (إِنَّهُ عَلِيٌّ) متعال عن صفات المخلوقين لا يتأتى جريان* المفاوضة بينه تعالى وبينهم إلا بأحد الوجوه المذكورة (حَكِيمٌ) يجرى أفعاله على سنن الحكمة فيكلم تارة بواسطة وأخرى بدونها إما الهاما وإما خطابا (وَكَذلِكَ) أى ومثل ذلك الإيحاء البديع* (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) هو القرآن الذى هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة* أبدية وقيل جبريل عليهالسلام ومعنى إيحائه إليه عليهماالسلام إرساله إليه بالوحى (ما كُنْتَ تَدْرِي) * قبل الوحى (مَا الْكِتابُ) أى أى شىء هو (وَلَا الْإِيمانُ) أى الإيمان بتفاصيل ما فى تضاعيف الكتاب من الأمور التى لا تهتدى إليها العقول لا الإيمان بما يستقل به العقل والنظر فإن درايته عليه* الصلاة والسلام له مما لا ريب فيه قطعا (وَلكِنْ جَعَلْناهُ) أى الروح الذى أوحيناه إليك (نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ) هدايته (مِنْ عِبادِنا) وهو الذى يصرف اختياره نحو الاهتداء به وقوله تعالى* (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) تقرير لهدايته تعالى وبيان لكيفيتها ومفعول لتهدى محذوف ثقة بغاية الظهور أى* وإنك لتهدى بذلك النور من نشاء هدايته (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو الإسلام وسائر الشرائع والأحكام وقرىء لتهدى أى ليهديك الله وقرىء لتدعو (صِراطِ اللهِ) بدل من الأول وإضافته إلى الاسم الجليل* ثم وصفه بقوله تعالى (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) لتفخيم شأنه وتقرير استقامته وتأكيد وجوب سلوكه فإن كون جميع ما فيهما من الموجودات له تعالى خلقا وملكا وتصرفا مما يوجب ذلك* أتم إيجاب (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) أى أمور ما فيهما قاطبة لا إلى غيره ففيه من الوعد للمهتدين إلى الصراط المستقيم والوعيد للضالين عنه ما لا يخفى. عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قرأ سورة حم عسق كان ممن تصلى عليه الملائكة ويستغفرون ويسترحمون له.