وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١٤)
____________________________________
تَهْتَدُونَ) أى لكى تهتدوا بسلوكها إلى مقاصدكم أو بالتفكر فيها إلى التوحيد الذى هو المقصد الأصلى (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) بمقدار تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح (فَأَنْشَرْنا بِهِ) أى أحيينا بذلك الماء (بَلْدَةً مَيْتاً) خاليا عن النماء والنبات بالكلية وقرىء ميتا بالتشديد وتذكيره لأن البلدة فى معنى البلد والمكان والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال العناية بأمر الإحياء والإشعار بعظم خطره (كَذلِكَ) أى مثل ذلك الإحياء الذى هو فى الحقيقة إخراج النبات من الأرض (تُخْرَجُونَ) * أى تبعثون من قبوركم أحياء وفى التعبير عن إخراج النبات بالإنشار الذى هو إحياء الموتى وعن إحيائهم بالإخراج تفخيم لشأن الإنبات وتهوين لأمر البعث لتقويم سنن الاستدلال وتوضيح منهاج القياس (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أى أصناف المخلوقات وعن ابن عباس رضى الله عنهما الأزواج الضروب والأنواع كالحلو والحامض والأبيض والأسود والذكر والأنثى وقيل كل ما سوى الله تعالى فهو زوج كالفوق والتحت واليمين واليسار إلى غير ذلك (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) أى ما تركبونه تغليبا للأنعام على الفلك فإن الركوب متعد بنفسه واستعماله فى الفلك ونحوها بكلمة فى للرمز إلى مكانيتها وكون حركتها غير إرادية كما مر فى سورة هود عند قوله تعالى (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها) (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) أى لتستعلوا على ظهور ما تركبونه من الفلك والأنعام والجمع باعتبار المعنى (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أى تذكروها بقلوبكم معترفين بها مستعظمين لها ثم تحمدوا عليها بألسنتكم (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) متعجبين من ذلك كما يروى عن* النبى صلىاللهعليهوسلم أنه كان إذا وضع رجله فى الركاب قال بسم الله فإذا استوى على الدابة قال الحمد لله على كل حال (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) إلى قوله تعالى (لَمُنْقَلِبُونَ) وكبر ثلاثا وهلل ثلاثا (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) أى مطيقين من أقرن الشىء إذا أطاقه وأصله وجده قرينته لأن الصعب لا يكون قرينة للضعيف وقرىء بالتشديد والمعنى واحد وهذا من تمام ذكر نعمته تعالى إذ بدون اعتراف المنعم عليه بالعجز عن تحصيل النعمة لا يعرف قدرها ولا حق المنعم بها (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) أى راجعون وفيه إيذان بأن حق الراكب أن يتأمل فيما يلابسه من المسير ويتذكر منه المسافرة العظمى التى هى الانقلاب إلى الله تعالى فيبنى أموره فى مسيره ذلك على تلك الملاحظة ولا يخطر بباله فى شىء