(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) (١٤)
____________________________________
والفاء فى قوله تعالى (فَارْتَقِبْ) لترتيب الارتقاب أو الأمر به على ما قبلها فإن كونهم فى شك مما يوجب* ذلك حتما أى فانتظر لهم (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) أى يوم شدة ومجاعة فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان إما لضعف بصره أو لأن فى عام القحط يظلم الهواء لقلة الأمطار وكثرة الغبار أو لأن العرب تسمى الشر الغالب دخانا وذلك أن قريشا لما استعصت رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا عليهم فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فأخذتهم سنة حتى أكلوا الجيف والعظام والعلهز وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان وكان يحدث الرجل يسمع كلامه ولا يراه من الدخان وذلك قوله تعالى (يَغْشَى النَّاسَ) أى يحيط بهم (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) أى قائلين ذلك فمشى إليه عليه الصلاة والسلام أبو سفيان ونفر معه وناشدوه الله تعالى والرحم وواعدوه إن دعا لهم وكشف عنهم أن يؤمنوا وذلك قوله تعالى (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) وهذا قول ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم وبه أخذ مجاهد ومقاتل وهو اختيار الفراء والزجاج وقيل هو دخان يأتى من السماء قبل يوم القيامة فيدخل فى أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ويعترى المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر قال حذيفة يا رسول الله وما الدخان فتلا الآية وقال يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره والأول هو الذى يستدعيه مساق النظم الكريم قطعا فإن قوله تعالى (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) الخ رد لكلامهم واستدعائهم الكشف وتكذيب لهم فى الوعد بالإيمان المنبىء عن التذكر والاتعاظ بما اعتراهم من الداهة أى كيف يتذكرون أو من أين يتذكرون بذلك ويفون* بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب عنهم (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) أى والحال أنهم شاهدوا من دواعى التذكر وموجبات الاتعاظ ما هو أعظم منه فى إيجابها حيث جاءهم رسول عظيم الشأن وبين لهم مناهج الحق بإظهار آيات ظاهرة ومعجزات قاهرة تخر لها صم الجبال (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) عن ذلك الرسول وهو هو ريثما شاهدوا منه ما شاهدوه من العظائم الموجبة للإقبال عليه ولم يقتنعوا بالتولى