(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٢)
____________________________________
* فإن ما فيه من معالم الدين وشعائر الشرائع بمنزلة البصائر فى القلوب (وَهُدىً) من ورطة الضلالة (وَرَحْمَةٌ) عظيمة (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) من شأنهم الإيقان بالأمور (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) استئناف مسوق لبيان تباين حالى المسيئين والمحسنين إثر بيان تباين حالى الظالمين والمتقين وأم منقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثانى والهمزة لإنكار الحسبان لكن لا بطريق إنكار الوقوع ونفيه كما فى قوله تعالى (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) بل بطريق إنكار الواقع واستقباحه والتوبيخ عليه والاجتراح الاكتساب (أَنْ نَجْعَلَهُمْ) أى نصيرهم فى الحكم والاعتبار وهم على ما هم عليه من مساوى الأحوال (كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وهم فيما هم فيه من محاسن الأعمال ونعاملهم معاملتهم فى الكرامة ورفع الدرجة (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) أى محيا الفريقين جميعا ومماتهم حال من الضمير فى الظرف والموصول معا لاشتماله على ضميريهما على أن السواء بمعنى المستوى ومحياهم ومماتهم مرتفعان به على الفاعلية والمعنى أم حسبوا أن نجعلهم كائنين مثلهم حال كون الكل مستويا محياهم ومماتهم كلا لا يستوون فى شىء منهما فإن هؤلاء فى عز الإيمان والطاعة وشرفهما فى المحيا وفى رحمة الله تعالى ورضوانه فى الممات وأولئك فى ذل الكفر والمعاصى وهوانهما فى المحيا وفى لعنة الله والعذاب الخالد فى الممات شتان بينهما وقد قيل المراد إنكار أن يستووا فى الممات كما استووا فى الحياة لأن المسيئين والمحسنين مستو محياهم فى الرزق والصحة وإنما يفترقون فى الممات وقرىء محياهم ومماتهم بالنصب على أنهما ظرفان كمقدم الحاج وسواء حال على حاله أى حال كونهم مستوين فى محياهم ومماتهم وقد ذكر فى الآية الكريمة وجوه أخر من الإعراب والذى يليق بجزالة التنزيل هو الأول فتدبر وقرىء سواء بالرفع على أنه خبر ومحياهم مبتدأ فقيل الجملة بدل من الكاف وقيل حال وأيا ما كان فنسبة حسبان التساوى إليهم فى ضمن الإنكار التوبيخى مع أنهم بمعزل منه جازمون بفضلهم على المؤمنين للمبالغة فى الإنكار والتشديد فى التوبيخ فإن إنكار حسبان* التساوى والتوبيخ عليه إنكار لحسبان الجزم بالفضل وتوبيخ عليه على أبلغ وجه وآكده (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أى ساء حكمهم هذا أو بئس شيئا حكموا به ذلك (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) استئناف مقرر لما سبق من الحكم فإن خلق الله تعالى لهما ولما فيهما بالحق المقتضى للعدل يستدعى لا محالة تفضيل المحسن على المسىء فى المحيا والممات وانتصار المظلوم من الظالم وإذا لم يطرد ذلك فى المحيا فهو* بعد الممات حتما (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) عطف على بالحق لأن فيه معنى التعليل إذ معناه خلقها مقرونة بالحكمة والصواب دون البعث والباطل فحاصله خلقها لأجل ذلك ولتجزى الخ أو على علة