(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٢٦)
____________________________________
* والضمير إما مبهم يوضحه قوله تعالى (عارِضاً) إما تمييزا أو حالا أو راجع إلى ما استعجلوه بقولهم فأئتنا* بما تعدنا أى فأتاهم فلما رأوه سحابا يعرض فى أفق السماء (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) أى متوجه أوديتهم والإضافة* فيه لفظية كما فى قوله تعالى (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) ولذلك وقعا وصفين للنكرة (بَلْ هُوَ) أى قال* هود وقد قرىء كذلك وقرىء قل وهو رد عليهم أى ليس الأمر كذلك بل هو (مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) من العذاب (رِيحٌ) بدل من ما أو خبر لمبتدأ محذوف (فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) صفة لريح وكذا قوله تعالى (تُدَمِّرُ) * أى تهلك (كُلَّ شَيْءٍ) من نفوسهم وأموالهم (بِأَمْرِ رَبِّها) وقرىء يدمر كل شىء من دمر دمارا إذا هلك فالعائد إلى الموصوف محذوف أو هو الهاء فى ربها ويجوز أن يكون استئنافا واردا لبيان أن لكل ممكن فناء مقضيا منوطا بأمر بارئه وتكون الهاء لكل شىء لكونه بمعنى الأشياء وفى ذكر الأمر والرب والإضافة إلى الريح من الدلالة على عظمة شأنه عزوجل ما لا يخفى والفاء فى قوله تعالى* (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) فصيحة أى فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لا يرى إلا مساكنهم وقرىء ترى بالتاء ونصب مساكنهم خطابا لكل أحد يتأتى منه الرؤية تنبيها على أن حالهم بحيث* لو حضر كل أحد بلادهم لا يرى فيها إلا مساكنهم (كَذلِكَ) أى مثل ذلك الجزاء الفظيع (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) وقد مر تفصيل القصة فى سورة الأعراف وقد روى أن الريح كانت تحمل الفسطاط والظعينة فترفعها فى الجو حتى ترى كأنها جرادة قيل أول من أبصر العذاب امرأة منهم قالت رأيت ريحا فيها كشهب النار وروى أن أول ما عرفوا به أنه عذاب ما رأوا ما كان فى الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير بها الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم فأمال الله تعالى الأحقاف فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين ثم كشفت الريح عنهم فاحتملتهم فطرحتهم فى البحر وروى أن هودا عليهالسلام لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع وعن ابن عباس رضى الله عنهما اعتزل هود ومن معه فى حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا مايلين على الجلود وتلذه الأنفس وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) أى قررنا عادا أو أقدرناهم وما فى قوله تعالى (فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) موصولة أو موصوفة وإن نافية أى فى الذى أو فى شىء ما مكناكم فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادى التصرفات كما فى قوله تعالى ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض ما لم نمكن لكم ومما يحسن