(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٨)
____________________________________
موقع إن ههنا التفصى عن تكرر لفظة ما وهو الداعى إلى قلب ألفها هاء فى مهما وجعلها شرطية أو زائدة مما لا يليق بالمقام (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) ليستعملوها فيما خلقت له ويعرفوا بكل* منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم ويستدلوا بها على شؤن منعهما عزوجل ويداوموا على شكره (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ) حيث لم يستعملوه فى استماع الوحى ومواعظ الرسل (وَلا أَبْصارُهُمْ) حيث* لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المنصوبة فى صحائف العلم (وَلا أَفْئِدَتُهُمْ) حيث لم يستعملوها فى معرفة* الله تعالى (مِنْ شَيْءٍ) أى شيئا من الإغناء ومن مزيدة للتأكيد وقوله تعالى (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) متعلق بما أغنى وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه فإن قولك أكرمته إذ أكرمنى فى قوة قولك أكرمته لإكرامه إذا أكرمته وقت إكرامه فإنما أكرمته فيه لوجود إكرامه فيه كذا الحال فى حيث (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب الذى كانوا* يستعجلونه بطريق الاستهزاء ويقولون فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ) يأهل مكة (مِنَ الْقُرى) كحجر ثمود وقرى قوم لوط (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) كررناها لهم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) * لكى يرجعوا عما هم فيه من الكفر والمعاصى (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) القربان ما يتقرب به إلى الله تعالى وأحد مفعولى اتخذوا ضمير الموصول المحذوف والثانى آلهة وقربانا حال والتقدير فهلا نصرهم وخلصهم من العذاب الذين اتخذوهم آلهة حال كونها متقربا بها إلى الله تعالى حيث كانوا يقولون (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) و (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) وفيه تهكم بهم ولا مساغ لجعل قربانا مفعولا ثانيا آلهة بدلا منه لفساد المعنى فإن البدل وإن كان هو المقصود لكنه لا بد فى غير بدل الغلط من صحة المعنى بدونه ولا ريب فى أن قولنا اتخذوهم من دون الله قربانا أى متقربا به ما لا صحة له قطعا لأنه تعالى متقرب إليه لا متقرب به فلا يصح أنهم اتخذوهم قربانا متجاوزين الله فى ذلك وقرىء قربانا بضم الراء (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أى غابوا عنهم وفيه تهكم آخر بهم كأن عدم* نصرهم لغيبتهم أو ضاعوا عنهم أى ظهر ضياعهم عنهم بالكلية وقيل امتنع نصرهم امتناع نصر الغائب عن المنصور (وَذلِكَ) أى ضياع آلهتهم عنهم وامتناع نصرهم (إِفْكُهُمْ) أى إثر إفكهم الذى هو* اتخاذهم إياها آلهة ونتيجة شركهم وقرىء إفكهم وكلاهما مصدر كالحذر والحذر وقرىء إفكهم على صيغة الماضى فذلك إشارة حينئذ إلى الاتخاذ أى وذلك الاتخاذ الذى هو ثمرته وعاقبته صرفهم عن الحق وقرىء إفكهم بالتشديد للمبالغة وآفكهم من الأفعال أى جعلهم آفكين وقرىء آفكهم على صيغة اسم الفاعل مضافا إلى ضميرهم أى قولهم الإفك كما يقال قول كاذب (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) عطف على*