منهم عراة ومنهم في ثيابهم |
|
منها الجديد ومنها الأورق الخلق |
مطر ونبات ، وآباء وأمهات وذاهب وآت ، وآيات في إثر آيات ، وأموات بعد أموات ، ضوء وظلام ، وليال وأيام ، وغني وفقير. وشقي وسعيد ، ومحسن ومسيء. أين الأرباب الفعلة ..؟ ليصلحن كل عامل عمله. كلا ، بل هو الله واحد ، ليس بمولود ولا والد ، أعاد وأبدى. وإليه المآب غدا.
أما بعد يا معشر أياد أين ثمود وعاد ..؟ وأين الآباء؟ والأجداد؟ أين الحسن الذي لم يشكر؟ أين الظلم الذي لم ينقم؟ كلا ورب الكعبة ليعودن ما بدا. ولئن ذهب يوم ليعودن يوم. قال : وهو قس بن ساعدة بن حذاق بن ذهل بن أياد بن نزار أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية ، وأول من توكأ على عصا ، وأول من تكلم بأما بعد.
خطبة لأبي طالب : «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وجعل لنا بلدا حراما ، وبيتا محجوجا. وجعلنا الحكام على الناس ، وأن محمدا بن عبد الله ، ابن أخي ، لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به ، بركة ، وفضلا ، وعدلا ، ومجدا ، ونبلا.
وإن كان في المال مقلا ، فإن المال عارية مسترجعة ، وظل زائل. وله في خديجة بنت خويلد رغبة. ولها فيه مثل ذلك. وما أردتم من الصداق فعليّ».
قد نسخت لك جملا من كلام الصدر الأول ومحاورتهم وخطبهم. وأحيلك فيما لم أنسخ على التواريخ والكتب المصنفة في هذا الشأن فتأمل ذلك ، وسائر ما هو مسطر من الأخبار المأثورة ، عن السلف وأهل البيان واللسان ، والفصاحة والفطن ، والألفاظ المنثورة ، والأمثال المنقولة عنهم.
ثم انظر بسكون طائر ، وخفض جناح ، وتفريغ لب ، وجمع عقل في ذلك ، فسيقع لك الفضل بين كلام الناس ، وبين كلام رب العالمين. وتعلم أن نظم القرآن يخالف نظم كلام الآدميين. وتعلم الحد الذي يتفاوت بين كلام البليغ والبليغ ، والخطيب والخطيب ، والشاعر والشاعر ، وبين نظم القرآن جملة.
فإن خيل إليك أو شبه عليك ، وظننت أنه يحتاج أن يوازن بين نظم الشعر والقرآن ؛ لأن الشعر أفصح من الخطب ، وأبرع من الرسائل ، وأدق مسلكا من جميع أصناف المحاورات ، ولذلك قالوا له صلىاللهعليهوسلم : هو شاعر ، أو ساحر ، وسوّل إليك الشيطان أن الشعر أبلغ وأعجب ، وأرق وأبرع ، وأحسن الكلام وأبدع ، فهذا فصل فيه نظر بين المتكلمين ، وكلام بين المحققين.