موضع جهله ، كان جديرا أن يحمد الله على ما رزقه من فهم ، وآتاه من علم.
فمما كان يزعم أنه نزل عليه من السماء (والليل الأطخم ، والذئب الأدلم ، والجذع الأزلم ، ما انتهكت أسيد من محرم) وذلك قد ذكر في خلاف وقع بين قوم أتوه من أصحابه.
وقال أيضا : (والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس).
وكان يقول : (والشاة وألوانها وأعجبها السوداء ، وألبانها والشاة السوداء ، واللبن الأبيض إنه لعجب محض ، وقد حرم المذق فما لكم لا تجتمعون).
وكان يقول : (ضفدع بنت ضفدعين ، نقي ما تنقين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين ، ولا الشارب تمنعين ، ولا الماء تكدرين ، لنا نصف الأرض ، ولقريش نصفها ، ولكن قريشا قوم يعتدون).
وكان يقول : (والمبتديات زرعا ، والحاصدات حصدا ، والذاريات قمحا ، والطاحنات طحنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا ، واللاقمات لقما ، أهالة وسمنا. لقد فضلتم على أهل الوبر. وما سبقكم أهل المدر. ريفكم فامنعوه ، والمعتر فآووه ، والباغي فناووه).
وقالت سجاح بنت الحارث بن عقبان وكانت تتنبأ ، فاجتمع مسيلمة معها فقالت له : ما أوحي إليك؟ فقال : (ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى. من بين صفاق وحشا).
وقالت : فما بعد ذلك ..؟ قال : أوحي إلي (أن الله خلق النساء أفواجا ، وجعل الرجال لهن أزواجا ، فتولج فيهن قعسا إيلاجا ، ثم نخرجها إذا شئنا إخراجا ، فينتجن لنا سخالا نتاجا). فقالت : أشهد أنك نبي.
ولم ننقل كل ما ذكر من سخفه كراهة التثقيل. وروي أنه سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه أقواما قدموا عليه من بني حنيفة عن هذه الألفاظ فحكوا بعض ما نقلناه.
فقال أبو بكر : «سبحان الله ويحكم إن هذا الكلام لم يخرج عن آل. فأين كان يذهب بكم؟!» ومعنى قوله : لم يخرج عن آل ، أي عن ربوبية. ومن كان له عقل لم يشتبه عليه سخف هذا الكلام.
فنرجع الآن إلى ما ضمناه من الكلام على الأشعار المتفق على جودتها وتقدم أصحابها في صناعتهم ، ليتبين لك تفاوت أنواع الخطاب ، وتباعد مواقع البلاغة. وتستدل على مواضع البراعة.