قد أبنّا لك أن من قدّر أن البلاغة في عشرة أوجه من الكلام ، لا يعرف من البلاغة إلا القليل ، ولا يفطن منها إلا اليسير.
ومن زعم أن البديع يقتصر على ما ذكرناه من قبل عنهم في الشعر ، فهو متطرّف.
بلى إن كانوا يقولون إن هذه من وجوه البلاغة وغرر البديع ، وأصول اللطيف. وإن ما يجري مجرى ذلك ويشاكله ملحق بالأصل ومردود على القاعدة. فهذا قريب.
وقد بيّنا في نظم القرآن أن الجملة تشتمل على بلاغة منفردة ، والأسلوب يختص بمعنى آخر من الشرف.
ثم الفواتح والخواتم ، والمبادي والمثاني ، والطوالع والمقاطع ، والوسائط والفواصل.
ثم الكلام في نظم السور والآيات ، ثم في تفاصيل التفاصيل. ثم في الكثير والقليل ، ثم الكلام الموشح والمرصع ، والمفصّل والمصرّع ، والمجنس والموشى ، والمحلى والمكلل ، والمطوق والمتوج ، والموزون والخارج عن الوزن ، والمعتدل في النظم والمتشابه فيه.
ثم الخروج من فصل إلى فصل ، ووصل إلى وصل ، ومعنى إلى معنى ، ومعنى في معنى ، والجمع بين المؤتلف والمختلف ، والمتفق والمتسق ، وكثرة التصرف ، وسلامة القول في ذلك كله من التعسف ، وخروجه عن التعمق والتشدق ، وبعده عن التعمل والتكلف. والألفاظ المفردة والإبداع في الحروف والأدوات ، كالإبداع في المعاني والكلمات. والبسط والقبض ، والبناء والنقض ، والاختصار والشرح ، والتشبيه والوصف ، وتميز الإبداع من الاتباع ؛ كتميز المطبوع عن المصنوع.
والقول الواقع عن غير تكلف ، ولا تعمّل. وأنت تتبينه في كل ما تصرف فيه من الأنواع أنه على سمت شريف ، ومرقب منيف ، يبهر إذا أخذ في النوع الربي ، والأمر الشرعي ، والكلام الإلهي الدال على أنه يصدر عن عزة الملكوت ، وشرف الجبروت ، وما لا يبلغ الوهم مواقعه من حكمة وأحكام ، واحتجاج وتقرير واستشهاد ، وتقريع وإعذار وإنذار ، وتبشير وتحذير وتنبيه ، وتلويح وإشباع وتصريح ، وإشارة ودلالة ، وتعلم أخلاق زكية ، وأسباب رضية ، وسياسات جامعة ، ومواعظ نافعة ، وأوامر صادعة ، وقصص مفيدة ، وثناء على الله عزوجل بما هو أهله ، وأوصاف كما يستحقه ، وتحميد كما يستوجبه ، وأخبار عن كائنات في التأني صدقت ، وأحاديث عن المؤتنف تحققت ، ونواه زاجرة عن القبائح والفواحش ، وإباحة الطيبات وتحريم المضار والخبائث ، وحث على الجميل والإحسان.