وأزال ملك ملوك الفرس فلم يعد إلى اليوم. ولا يعود أبدا إن شاء الله تعالى. ثم إلى حدود أرمينية وإلى باب الأبواب ، وفتح أيضا ناحية الشام ، والأردن ، وفلسطين ، وفسطاط مصر. وأزال ملك قيصر عنها ، وذلك من الفرات إلى بحر مصر ، وهو ملك قيصر. وغزت الخيول في أيامه إلى عمورية ، فأخذ الضواحي كلها ولم يبق دونها إلا ما حجز دونه بحر ، أو حال عنه جبل منيع ، أو أرض خشنة ، وأو بادية غير مسلوكة.
وقال الله عزوجل : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١) فصدق فيه وقال في أهل بدر : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) (٢) ووفى لهم بما وعد. وجميع الآيات التي يتضمنها القرآن ، من الإخبار عن الغيوب ، يكثر جدّا ، وإنما أردنا أن ننبه بالبعض على الكل.
والوجه الثاني : أنه كان معلوما من حال النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه كان أميا لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ. وكذلك كان معروفا من حاله أنه لم يكن يعرف شيئا من كتب المتقدمين ، وأقاصيصهم ، وأنبائهم ، وسيرهم.
ثم أتى بجملة ما وقع وحدث من عظيمات الأمور ، ومهمات السير ، من حين خلق الله آدم عليهالسلام ، إلى حين مبعثه. فذكر في الكتاب الذي جاء به معجزة له : قصة آدم عليهالسلام ، وابتداء خلقه ، وما صار إليه أمره من الخروج من الجنة ، ثم جملا من أمر ولده وأحواله وتوبته.
ثم ذكر قصه نوح عليهالسلام ، وما كان بينه وبين قومه وما انتهى إليه أمره. وكذلك أمر إبراهيم عليهالسلام. إلى ذكر سائر الأنبياء المذكورين في القرآن ، والملوك والفراعنة الذين كانوا في أيام الأنبياء صلوات الله عليهم.
ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه ، إلا عن تعلم ، وإذا كان معروفا أنه لم يكن ملابسا لأهل الآثار وحملة الأخبار ، ولا مترددا إلى التعلم منهم. ولا كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه علم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي.
ولذلك قال عزوجل : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٣) وقال : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ
__________________
(١) آية (١٢) سورة آل عمران.
(٢) آية (٧) سورة الأنفال.
(٣) آية (٤٨) سورة العنكبوت.