أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) (١) فحق ذلك كله وصدق ولم يخرج من المخالفين الذين خوطبوا بذلك معه أحد.
وكقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (٢) وكقوله : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٣) فامتنعوا من المباهلة ولو أجابوا إليها اضطرمت عليهم الأودية نارا ، على ما ذكر في الخبر.
وكقوله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) (٤) ولو تمنوه لوقع بهم هذا وما أشبهه.
وأما الوجه الثاني : الذي ذكرناه من إخباره عن قصص الأولين ، وسير المتقدمين ، فمن العجيب الممتنع على من لم يقف على الأخبار ، ولم يشتغل بدرس الآثار ، وقد حكى في القرآن تلك الأمور حكاية من شهدها ، وحضرها.
ولذلك قال الله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٥) وقال : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٦) وقال : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) (٧) فبين وجه دلالته من إخباره بهذه الأمور الغائبة السالفة. وقال : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) (٨) الآية.
فأما الكلام في الوجه الثالث : وهو الذي بيناه من الإعجاز الواقع في النظم والتأليف والرصف ، فقد ذكرنا من هذا الوجه وجوها منها أنا قلنا : إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم ، ومباين لأساليب خطابهم. ومن ادعى ذلك لم يكن له بد من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر ، ولا السجع ، ولا الكلام الموزون غير المقفى ، لأن قوما
__________________
(١) آية (٨٣) سورة التوبة.
(٢) آية (٢٣) سورة التوبة.
(٣) آية (٦١) سورة آل عمران.
(٤) آية (٩٤ ، ٩٥) سورة البقرة.
(٥) آية (٦) سورة العنكبوت.
(٦) آية (٤٤) سورة القصص.
(٧) آية (٤٦) سورة القصص.
(٨) آية (٤٩) سورة هود.