الأخذ ، كقول امرئ القيس (١) :
وقوفا بها صحبي على مطيهم |
|
يقولون لا تهلك أسى وتجلد (٢) |
ومثل هذا كثير. فإذا صح مثل ذلك في بعض البيت ، ولم يمتنع التوارد فيه ، فكذلك لا يمتنع وقوعه في الكلام المنثور اتفاقا غير مقصود إليه. فإذا اتفق ، لم يكن شعرا. وكذلك يمتنع التوارد على بيتين ، وكذلك يمتنع في الكلام المنثور وقوع البيتين ونحوهما ، فثبت بهذا أن ما وقع هذا الموقع لم يعد شعرا ، وإنما يعد شعرا ما إذا قصده صاحبه ، تأتي له ولم يمتنع عليه.
فإذا كان هو مع قصده ، لا يتأتى له ، وإنما يعرض في كلامه عن غير قصد إليه ، لم يصح أن يقال إنه شعر ، ولا أن صاحبه شاعر ، ولا يصح أن يقال : إن هذا يوجب أن مثل هذا لو اتفق من شاعر ، فيجب أن يكون شعرا ؛ لأنه لو قصده لكان يتأتى منه.
وإنما لم يصح ذلك ؛ لأن ما ليس بشعر ، فلا يجوز أن يكون شعرا من أحد. وما كان شعرا من أحد من الناس ، كان شعرا من كل أحد.
ألا ترى أن السوقيّ قد يقول أسقني الماء يا غلام سريعا؟ قد يتفق ذلك مع الساهي ، ومن لا يقصد النظم. فأما الشعر إذا بلغ الحد الذي بينّا ، فلا يصح أن يقع إلا من قاصد إليه. أما الرجز فإنه يعرض في كلام العوام كثيرا. فإذا كان بيتا واحدا فليس ذلك بشعر.
وقد قيل إنّ أقل ما يكون منه شعرا أربعة أبيات ، بعد أن تتفق قوافيها. ولم يتفق ذلك في القرآن بحال. فأما دون أربعة أبيات منه ، أو ما يجري مجراه في قلة الكلمات ، فليس بشعر.
وما اتفق في ذلك من القرآن مختلف الروى. ويقولون إنه متى اختلف الروى خرج من أن يكون شعرا. وهذه الطرق التي سلكوها في الجواب معتمدة ، أو أكثرها. ولو كان ذلك شعرا ، لكانت النفوس تتشوف إلى معارضته ، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزمان الواحد ، وأهله يتقاربون فيه ، أو يضربون فيه بسهم.
فإن قيل : في القرآن كلام موزون كوزن الشعر ، وإن كان غير مقفى ، بل هو مزاوج ، متساوي الضروب ، وذلك آخر أقسام كلام العرب. قيل : من سبيل الموزون من كلام ، أن يتساوى أجزاءه في الطول والقصر والسواكن والحركات. فإن خرج عن ذلك لم يكن موزونا
__________________
(١) سبقت ترجمته.
(٢) بيت من معلقته الشهيرة.