بل باعتبار المعاني الّتي ترمز إليها والأعمال الّتي تؤدى فيها ، وبذلك يكون النهي عن استحلالها ، نهيا عن تجاوز الحدود والفرائض الّتي أوجبها الله فيها مما يدخل في طاعته والانقياد له. وأمّا النهي عن استحلال الشهر الحرام ، الّذي جعله الله عنوانا للشهور الأربعة : رجب وذي القعدة وذي الحجة ومحرم ، فلكي يكون للنّاس في حياتهم زمن سلام يسترحون فيه إلى أمنه وطمأنينته ، ويعلمون فيه على الدعوة إلى تقوية أواصر السلام والمحبة فيما بينهم من خلال ما يعيشون فيه من أجواء الخير والسعادة ... ولذلك أراد منهم ترك القتال فيه ، مهما كانت الدوافع والأوضاع ، إلَّا في الحالات الصعبة الّتي لا مجال فيها إلَّا للمواجهة القتالية الّتي تمثل خط الدفاع عن القضايا. أمّا الهدي ، فقد أراد الله للنّاس احترامه وعدم التعرض له بسلب ، أو باعتراض طريقه ومنع وصوله إلى محله ، وكذلك الأمر بالنسبة للقلائد.
وفي ختام ذلك نهى عن الاعتداء على الَّذين يؤمون البيت الحرام ويقصدونه ابتغاء رزق الله عن طريق التجارة ، أو الحصول على رضى الله وفق أساليبهم العباديّة الخاصة لله وإن كانت غير خالصة له.
(وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) لأنَّ التحريم كان بسبب حالة الإحرام ، فجاز للإنسان بعد زوالها العودة إلى حالة الحل الّتي يمارس فيها حريته في كل ما أحلّه الله له في الأصل من صيد أو غيره. (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي لا يحملنكم (شَنَآنُ قَوْمٍ) أي بغض قوم (أَنْ صَدُّوكُمْ) منعوكم (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، فلم يمكنوكم من الدخول إليه أو البقاء فيه ، (أَنْ تَعْتَدُوا) بأن تبادلوهم المثل في وقت سلطتكم عليهم ، لأنَّ الله لا يريد لكم أن تكونوا معتدين مثلهم على حرية النّاس في الدخول إليه في حال كان منهم ذلك ، إذ إنَّ المعاملة بالمثل تمثل اعتداء على المعتدي ، وذلك لو كان الموضوع واردا في النطاق الشخصي ، أمّا إذا كان الموضوع قضية تتعلقّ بالخط التشريعي الَّذي لا يملك فيه الإنسان أمر الرد من خلالها ، فيكون ردّه اعتداء صارخا على حدود الله من