ويرضاها ، وإلى الابتعاد عن كل صغيرة وكبيرة يعلم بأنَّ الله يكرهها ويبغضها. فلا يفقده الله حيث يريد أن يجده ، ولا يجده حيث يريد أن يفقده ، ويتسامى هذا الإحساس في روحه حتّى لينفذ إلى دوافعه ونواياه ، فيحاول أن ينظفها ويطهرها ويدفع بها إلى حيث الطهر في النيّة والتسامي في الفكرة.
وقد طرح الإسلام التعاون كأساس لتحقيق البر والتقوى في حياة النّاس ، لأنَّ كثيرا من حالاتهما لا يمكن ، من حيث المبدأ ، تأديته بجهد فردي ، بل لا بدَّ من تضافر الجهود المختلفة لإنجازه ، لا سيما في المجالات الّتي يراد منها بلوغ نتائج كبيرة ، كما هو الحال مثلا في المجالات الفكرية من التفاصيل والتعقيدات والانطلاقات ، ممّا يمكن لبعض الأفكار أن يكتشف جانبا هنا ، ولبعضها الآخر أن يكتشف جانبا هناك ، ليتم البناء الفكري على قاعدة صلبة ثابتة ، وقد نحتاج أن نسجّل في هذا المجال أنَّ الإنسانية لم تبلغ رقيّها الفكري إلَّا بفضل الجهود المتنوعة الّتي تعاونت فيها البشرية في مختلف حقول المعرفة والعلوم ، متفاعلة فيما بينها أو متبادلة ، متوافقة أو مختلفة ، وفي ضوء ذلك ، لا بدَّ من أن تكون الروحية المهيمنة على ذلك هي روح الوصول إلى الحقيقة ، لا روح الصراعات على المصالح الخاصة ومراكز النفوذ والقوّة والهيمنة باسم الحقيقة.
أمّا في المجال الاجتماعي ، فثمة مشاريع كثيرة لحل مشكلة البؤس والفقر للفئات المحرومة ، تحتاج إلى تعاون عام ، وإلى جهود متنوعة لا تحتملها طاقة فرد ، مهما كان دوره. ولذلك ، فإنَّها لن تتكامل بدون التعاون والتعاضد والتكامل. وإذا ما انطلقنا إلى دائرة المبادئ والأخلاق ، فإنَّنا سنلتقي بحالات الضعف الّتي قد تسيطر على الإنسان فتفقده التزامه بالحق ، وانسجامه مع الصفات الطيبة ، فإذا تعاون معه إخوانه على المسيرة المشتركة ، أمكن له أن يأخذ قوة من قوتهم ، وروحا من روحهم ، ليستقيم له المبدأ ، وليتقوَّم لديه الخلق.