كالكذب والجزع والبخل والكبر والتجبر والتمرّد الروحي والفكري والعملي على الله سبحانه وتعالى ... كما يتمثل العدوان بالاعتداء على أموال النّاس وأعراضهم ونفوسهم ، وبالتنكر لكل القيم الروحية الّتي تحمي الإنسان من أخيه ، لذا ينهانا تعالى عن التعاون (عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) لأنَّهما يهدمان الحياة ويضعانها في أجواء الضياع والقلق والضلال ، ويحولانها إلى غابة لا تحكمها القوانين والشرائع ، بل تتحكم فيها القوّة الغاشمة العمياء ، ليكون الحق للأقوى بعيدا عن ميزان العدل الَّذي يجعل القوّة للحق ، والضعف للباطل. وعلى هذا الأساس ، ألغى الإسلام كل العصبيات العائلية والعشائرية والإقليمية والقومية والعنصرية الّتي أكدتها قيم الجاهلية ، لأنَّها لا تمثل التعاون على أساس الحق والعدل والتقوى ، وتعتبر الإطار الَّذي تتحرك فيه العصبية أساسا لشرعية كل عمل تعاوني في مصلحتها ، أيّا كان موقعه من قضية الحق والباطل ، كما عبّر عنه القول الجاهلي المأثور : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». وفي ضوء هذا الرفض الإسلامي ، جاءت الكلمة المأثورة عن الإمام علي بن الحسين عليهالسلام في ما رواه الزهري عنه : «العصبية الّتي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرّجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبية أن يحب الرّجل قومه ، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم» (١). فالله سبحانه وتعالى ، يريد للنَّاس ألَّا يتعاونوا على الإثم والعدوان ، بحيث يصرفون كل طاقاتهم في هذا الاتجاه ، واستلزاما لهذا الغرض يريد منهم أن يبتعدوا عن الجو المحموم الَّذي تخلقه مجتمعات الإثم والعدوان في نفوس الأفراد ، وذلك لإضعاف الدوافع الّتي تقود إلى الإثم ، ولكي تتلاشى النوازع الّتي تعمل على إثارة روح العدوان على الآخرين في النفس ، ولتتحول ، بالتالي ، الحياة إلى ساحة خير وإيمان وسلام ...
__________________
(١) البحار ، م : ٢٥ ، ج : ٧٠ ، ص : ٣٧٧ ، باب : ٢٣٣ ، رواية : ٦.