ولنا أن نتساءل عمّا أنزله الله على رسوله فكمل به الدين ، ورضيه للمسلمين دينا ، وتمت به النعمة؟ لقد اختلف المفسرون في ذلك ، فمنهم من قال : إنَّه فرائض الله وحدوده وحلاله وحرامه ، الّتي أكملها الله للمسلمين في ذلك الوقت بتنزيل آخر حكم شرعي ، ومنهم من قال : إنّه إكمال الحج وتخصيصهم بالبلد الحرام ، بعد أن كان مشتركا بينهم وبين المشركين ، ومنهم من قال : إنَّه إكمال الدين بإكمال قوته وسلطته وكفايته الأعداء .. والمروي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنَّه قال : «آخر فريضة أنزلها الله تعالى الولاية ، ثمَّ لم ينزل بعدها فريضة ، ثمَّ نزل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) بكراع الغميم (١) ، فأقامها رسول الله بالجحفة ، فلم ينزل بعدها فريضة» (٢). وروى صاحب «مجمع البيان» عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، كما نقلها الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتاب «نزول القرآن» «أنَّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطى في غدير خم عليا منصب الولاية ، وأنَّ النّاس في ذلك اليوم لم يكادوا ليتفرقّوا حتّى نزلت آية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في تلك اللحظة : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي ، وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» (٣).
وما يجاري صدقيّة هذه الرِّوايات ما رواه ابن جرير الطبري في كتاب الولاية عن زيد بن أرقم ـ الصحابي المعروف ـ أنَّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خم بشأن علي بن أبي طالب. وكذلك روى الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي هريرة ، نقلا عن تفسير الأمثل ، «عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنَّ آية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)
__________________
(١) كراع الغميم : اسم موضع بين مكّة والمدينة.
(٢) البحار ، م : ١٢ ، ج : ٣٧ ، ص : ٣٤٣ ، باب : ٥٢ ، رواية : ٥.
(٣) مجمع البيان ، ج : ٣ ، ص : ٢٠٠.