ومن هنا اعتبرت قضية الولاية من القضايا المهمة المصيرية في مستقبل الإسلام وقوته ، مما يؤكد ويؤيّد اعتبارها إكمالا للدين الّذي يحتاج إلى الرعاية من الشخص الّذي عاش فكره وشعوره وجهاده للإسلام ، حتّى لم يعد هناك ـ في داخل ذاته ـ أيّ نوع من الفراغ الَّذي يحتضن اهتمامات غير إسلامية. وقد يمكن للإنسان أن يفكر بأنَّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يمكن له ترك قضية الولاية من بعده للاجتهادات المختلفة ، الّتي قد تختلف على أسس ذاتية أو تقليدية ، باعتبار أنَّها لا تخضع لبرنامج إسلامي تشريعيّ محدد. فالدين الَّذي قد تعرّض لكل شيء في أحكامه وتشريعاته حتّى أدق التفاصيل ، لا يتصور فيه أن يترك أمر الخلافة الكبير في أهميّته ونتائجه ، لا سيما لجهة استمرار خط الرسالة والنبوة ، حيث ، وكما هو معلوم تاريخيا ، لم يكن الوضع الإسلامي قد وصل إلى مستوى النضوج الكامل بفعل الأحداث الصعبة ، مما يجعل تركيز مسألة الخلافة والولاية وتأكيدها أمرا أساسيا في حركة التشريع.
وعلى أيّ حال ، فإنَّنا نثير هذه الأفكار انطلاقا من وعينا لأهمية القيادة في حياة الأمة ، ليكون هذا الاتجاه في التفكير أساسا للبحث من أجل مواجهة الموقف بجديّة ومسئوليّة من ناحية المبدأ والمنطلق. ويبقى للأدلة والحجج والنصوص الشرعيّة الدور الأكبر الأساس في الحكم على ما حدث بعيدا عن كل اجتهاد ذاتي ، أو انتماء مذهبي ، لأنَّ القضيّة قضيّة إيمان وعلم ، فلا بدّ للمسلمين من الارتفاع في خلافاتهم إلى هذا المستوى الَّذي يقودهم إلى الحقيقة الدينيّة والتاريخيّة من أقرب طريق ، ويعلمهم كيف يمارسون هذا الخلاف بالأسلوب الإسلامي للحوار الَّذي يعتمد على الإخلاص للحقيقة من خلال الإخلاص لله ، ومواجهة المواقف من موقع الفكر العميق المنفتح المتأمل ، والله من وراء القصد.
* * *